فلا بدّ أن لا يتخلّف عن المولى ، كما أن عضلات المولى لا تتخلّف عن المولى ، فكما أن المولى يحرص على أن لا ينفعل ولا يتألّم ، كذلك العبد فإنه يجب عليه أن يحرص على أن لا ينفعل المولى ولا يتألم ، فالعقل يدرك أن للمولى على العبد حق الطاعة بمقدار بحيث لا ينفعل ، أو ما يعوّض عن الانفعال في مولى أجل من الانفعال ، لأن مفروض الكلام بلغة البشر لا بلغة تنطبق على المولى الحقيقي سبحانه وتعالى ، وإنما يعبّر بهذا التعبير القاصر من باب ضيق الخناق ، والخلاصة : إن الذي يحكم بحق الطاعة يحكم أيضا بحق الطاعة على موضوع ذاك العقاب الانفعالي ، فموضوعه هو موضوع ذاك العقاب الانفعالي ، فالعقل يقول : إن ذاك العقاب الانفعالي إذا صدر من المولى ، فهو في محله ، وإذا صدر من غيره فهو في غير محله.
فلو فرضنا أن شخصا مولى طلب الماء من عبده ، وشخصا غير مولى طلب الماء من عبده ، وكلا المأمورين لم يأتيا بالماء ، فإن فعل كلا الموليين وعاقبا عبديهما ، فهنا معنى حكم العقل بحق الطاعة كان يقول : إن هذا العقاب الانفعالي صدر من أهله ، ووقع في محله ، بينما العقاب الآخر الانفعالي لم يصدر من أهله ، ولم يقع في محله. فالعقل لا يزيّد العقابات التي تقع بحسب تسلسل عالم الطبيعة ، وإنما يصنف هذه العقابات من المنفعلين بحسب درجات استعلائهم على المعاقبين ، إذن فيتطابق حينئذ العقاب المولوي على العقاب الانفعالي.
ونتيجة ذلك : إنّ مخالفة الأمر الغيري ، بما هي مخالفة الأمر الغيري ، لا تكون منشأ لاستحقاق العقاب ، وإنما المنشأ لاستحقاق العقاب هو مخالفة الأمر النفسي.
نعم قد يكون فوات الأمر النفسي حاصلا من حين ترك المقدمة ، بأن يفرض أن المكلف إذا لم يوقع هذه المقدمة في وقتها ، فلا يتمكن من إيقاعها بعد ذلك ، حينئذ بمجرد تركه للمقدمة فيستحق اللوم والعقاب ، ولكن ليس عقابا على مخالفة الأمر الغيري ، بل عقاب على مخالفة الأمر النفسي ، وعليه