وأمّا مخالفة الأمر الغيري فتوضيح الحال فيه هو أن يقال :
إن العقاب على نحوين :
النحو الأول : هو العقاب بالملاك الانفعالي.
النحو الثاني : هو العقاب بالملاك المولوي.
ومقصودنا من الملاك الانفعالي : هو العقاب الذي ينشأ من غضب المولى وتألّمه لفوات غرضه ، فينفعل ويضرب عبده عقابا له لما سبّبه له من انفعال ، وقد يتحقق من غير المولى أيضا ، ممّن ليس له حق الطاعة ، فقد ينفعل لمخالفة أوامره فيعاقب انفعاليا.
والعقاب المولوي ، نقصد به : ذاك العقاب الناشئ من حكم العقل بالمولوية والطاعة.
أمّا العقاب الانفعالي : فلا إشكال بأنه غير موجود على مخالفة الأمر الغيري ، ولم يصدر عن المولى إلّا انفعال واحد وهو فيما إذا خالفه عبده ، ولم يأت له بمطلوبه ، وهذا الانفعال هو بسبب عدم حصول غرضه النفسي الذي أمر به ، وهو الماء البارد مثلا ، دون أن يحصل له انفعالات عديدة بعدد ما ترك المكلّف من المقدمات لتحصيله ، بل انفعاله مهما كثرت المقدمات أو قلّت ، على وتيرة واحدة.
وبعبارة أخرى : إن ضمّ ترك المقدمة إلى ترك ذي المقدمة ، كضم الحجر إلى جنب الإنسان ، إذ بعد أن يفرض أنه ترك ذا المقدمة فلا يهمّه بعدئذ إن ترك المقدمة ، أو أتى بها.
وأمّا العقاب المولوي الثابت باعتبار حق الطاعة والمولوية ، فلا بدّ وأن يرجع فيه إلى العقل الذي أدرك حق الطاعة لمعرفة موضوع هذا الحق.
والذي ندركه بعقولنا هو : إنّ موضوع حق الطاعة هو أيضا ذاك الانفعال ، بمعنى أن العقل يرى أن العبد بوجوده وعضلاته هو امتداد للمولى ،