نسأل : إنّه كيف وجدت المصلحة بعد انعدام المقتضي لها ، إذ سبق وفرضنا أن المقتضي لها إنما هو الصوم ، والشرط لها إنما هو الغسل؟ فإن فرضنا أنها لم توجد في زمان الصوم ، وإنما وجدت في الليل ، مع أن الصوم هو المقتضي ، إذن فيلزم أن يكون المقتضى قد وجد بعد انعدام المقتضي ، من قبيل ما إذا كانت النار يوم السبت ، وجفاف الورقة حصل في ليلة الأحد ، والمفروض أن النار كانت قد انطفأت ليلة الأحد ، وحينئذ يحصل الاحتراق ليلة الأحد ، قبل انطفاء النار من ناحية جفاف الورقة ، وهذا غير معقول. هذه هي صياغة محذور الشرط المتأخر في الموقع الثاني.
وقد تصدّى المحقق الخراساني (١) للإجابة على ذلك وتوضيح جوابه يتوقف على بيان أمرين :
الأمر الأول :
هو أن الأشياء على ثلاثة أقسام :
أ ـ القسم الأول : أشياء واقعية موجودة في الخارج من قبيل وجود الماء ، والهواء ، والبياض ، والحلاوة.
ب ـ القسم الثاني : أشياء اعتبارية صرفة ، يخلقها العقل متى يشاء ، ويتحكّم فيها من قبيل أن يعتبر وجود بحر من زئبق ، أو جبل من ذهب ، وهذه أشياء اعتبارية صرفة ، ونسبة العقل إليها نسبة الفاعلية والخلق ، أي متى ما أراد العقل ينشئ بحرا من زئبق.
ج ـ القسم الثالث : قسم وسط بين الأمرين ، فلا هي أمور موجودة في الخارج ، ولا هي اعتباريات محضة ، ويسميها الحكماء بالاعتباريات الواقعية ، يعني أنها اعتباريات في مقابل القسم الأول ، أي إنها لا وجود لها في الخارج ، ولكنها في الوقت نفسه ، ليست اعتبارية محضة ، بل فيها جنبة واقعية ، من قبيل
__________________
(١) كفاية الأصول : مشكيني ج ١ ص ١٤٧ ـ ١٤٨ ـ ١٤٩.