ثم إن صاحب «الكفاية» (١) فتح مناقشة ثالثة مع الشيخ الأعظم «قده» نقلها عن تقريراته ، وصار بصدد دفعها ، ونحن نتعرّض لها من خلال بيانين ، للتشويش الذي يعتورها.
البيان الأول ، هو : انّ نقيض كل شيء رفعه ، فنقيض الفعل هو رفعه ، ونقيض الترك هو رفعه ، فالفعل ليس هو النقيض لما هو الواجب ، لا على القول بوجوب مطلق المقدمة ، ولا على القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة ، إذ على القول بوجوب مطلق المقدمة ، يكون الواجب هو مطلق الترك ، ويكون نقيضه هو رفعه ، وعلى القول بوجوب خصوص المقدمة الموصلة ، يكون الواجب هو الترك الموصل ، ويكون نقيضه هو الترك الموصل ، لا الفعل ، ولكن الفعل ملازم مع النقيض ، بناء على القول بوجوب مطلق المقدمة ، فيكون الفعل حراما من باب أنه ملازم مع نقيض الواجب ، لا إنّه هو نقيض الواجب ، فحرمة الفعل بناء على القول بوجوب مطلق المقدمة ، ليس باعتباره نقيضا ، بل لأنه ملازم للنقيض ، وهذا بعينه يتمّ بناء على القول الآخر ، وهو وجوب المقدمة الموصلة ، فيقال : الواجب هو الترك الموصل ، والنقيض المحرّم هو رفع الترك الموصل ، ورفع الترك الموصل المتعلق بالحرمة له حصتان ، لأن الترك الموصل عبارة عن المجموع المركّب من الترك والإيصال ، فرفعه يعني رفع المجموع ، وذلك ، تارة يكون برفع هذا الجزء ، وأخرى يكون برفع ذلك الجزء ، فهنا حصتان : رفع ذات الترك ، ورفع حيثيّة الإيصال ، وكلتاهما تحرم ، لأنّ الحرمة انحلاليّة ، وإحدى هاتين الحصتين ملازمة مع الفعل ، وهي رفع الترك الموصل الناشئ من رفع ذات الترك ، إذن فقد أصبح الفعل ملازما مع الحرام فهو حرام.
وبهذا لم يبق فرق بين القول بالمقدمة الموصلة ، أو القول بمطلق المقدمة ، وبهذا التقريب لا يرد كلام صاحب «الكفاية» ، إذ يستفاد من
__________________
(١) كفاية الأصول : مشكيني ج ١ ص ١٩٢ ـ ١٩٣.