ولكون هذا الأصل الموضوعي هو الذي أوجب القول ، بأنّ الفعل بعنوانه ليس هو النقيض ، فليس هو رفعا للترك بل هو إمّا ملازم أو مصداق.
مثل هذا اضطرّ المحقق الأصفهاني «قده» (١) للدخول في مناقشة هذا الأصل الموضوعي المفترض في البيانين ، حيث قال : إنّ هذا الالتزام إنما كان بملاحظة ما هو المشهور في الألسنة ، من أن نقيض كلّ شيء رفعه ، والفعل أمر وجودي ، وليس رفعا للترك ، بل رفعه ونقيضه اللّاترك ، هو غفلة عن المراد بالرفع ، فإنّ الرفع في هذه العبارة كما عليه أهله هو الأعم من الرفع الفاعلي والرفع المفعولي ، فالترك رفع للفعل ، وهذا رفع فاعلي ، والترك مرفوع بالفعل وهذا رفع مفعولى ، والإنسان إنما يكون نقيضا للّاإنسان حيث أنه مرفوع به ، واللّاإنسان يكون نقيضا للإنسان حيث أنه رافع له ، وإلّا لم يتحقق التناقض بين شيئين أبدا ، بداهة أنّ اللّاترك وإن كان رفعا للترك ، لكن الترك ليس رفعا للّاترك ، والمناقضة إنما تكون بين الطرفين.
وهنا يمكن أن يقال : بأن المحقق الأصفهاني «قده» لعلّه يريد أن يبطل كلا التقريبين معا ، ويبيّن وجه التفكيك بين موقع الفعل بناء على وجوب مطلق المقدمة ، فإن موقع الفعل بناء عليه إنما هو نقيض الترك الواجب ، بينما موقعه على القول بالمقدمة الموصلة ، ليس نقيض الواجب ، إذ إنّ الفعل يرفع بالترك فيكون نقيضه ، أي : مرفوعه ، وهذا رفع مفعولي ، فلو فرض أنّ الواجب الغيري هو الترك لحرم الفعل تبعا له ، وأمّا الترك الموصل فليس الفعل رفعا له ، لا بالمعنى الفاعلي ، ولا بالمعنى المفعولي ، وإنما يكون الفعل مرفوعا بذات الترك وليس هو الواجب.
وتحقيق المطلب ، هو : إنّنا لا نريد أن نفتّش عن النقيض في مصطلح الفلاسفة ، وإنما نريد أن نعرف الملاك الموضوعي الذي اقتضى أن يكون الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضدّه العام ، وما هي حدود ذلك الضد العام ، إذ قد
__________________
(١) نهاية الدراية : الأصفهاني ج ١ ص ٣٦٣.