إذن فالملازمة لها نحوان :
فإن ادّعي النحو الأول : فهو غير معقول أصلا بين الجعلين ، لأنّ الجعل فعل اختياري للجاعل ، يصدر منه بالإرادة والسلطنة والاختيار ، فلا معنى لأن يكون جعله لذي المقدمة مستلزما لجعل المقدمة.
والملازمة القهرية أنما تتعقل بين الأفعال ونتائجها الخارجية ، لا بين فعلين مباشرين للفاعل ، يستند كل منهما إلى مبادئه من الاختيار والإرادة ، لا لفعل مباشري آخر. إذن فإنشاء الوجوب النفسي لا يعقل أن يستتبع قهرا إنشاء للوجوب الغيري.
وإن ادّعي النحو الثاني : بمعنى كون أحد الأمرين يحقّق داعيا ومناسبة للّازم الآخر ، فهو أمر معقول ، إذ قد يوجد فعلا مناسبة لفعل آخر ، كما لو كانت زيارته لزيد مناسبة وداعيا لأن يزور أباه ، ولكن هذا الأمر المعقول غير واقع في المقام ، إذ ليس هناك داع لإيجاب المقدّمة في عالم الجعل والإنشاء ، لأن الجعل له داعيان وكلاهما مفقود.
ـ الداعي الأول للجعل : هو أن يبرز المولى شوقه وعواطفه النفسية ، ولذا قلنا سابقا : بأنّ الجعل له دور الكشف عن العالم السابق.
ـ الداعي الثاني للجعل : هو أنّ المولى يريد أن يعيّن مركز المسئولية ويحدّدها ، لأنه قد يشتاق إلى شيء ، ولكن يلقي في عهدة المكلّف بعض مراحل هذا الشيء لا نفسه ، فمثلا ، المولى يشتاق فيما يشتاق إليه ، إلى أن يكون المكلّف بعيدا عن الفحشاء والمنكر ، ولكن لا يريد أن يجعل ذلك في عهدته ، لأنه لا يحسن التصرف ، فيجعل في عهدته مقدمة المحبوب وهو الصلاة ، مع أن الصلاة هي ذي المقدمة وليست المقدمة ، ولكنه يدخل المقدمة في العهدة ، ويكون هذا الجعل بالجعل والاعتبار والإنشاء ، وبهذا الجعل يحدّد أنّ ما يدخل في عهدته «ما هو» فيدخل المقدمة في العهدة.
ـ وإن شئت قلت : إنّ الداعي الثاني للجعل هو أن يكون المولى في مقام