إثبات عليّة النار للإحراق ، فإن الإنسان مهما أوتي من قوة الفكر ، يبقى عاجزا عن ذلك ، دون أن يهتدي إليه ، ما لم يجرب ويضع يده في النار ، حينئذ يدرك اقتران المعلول بعلّته ، أو يرى أثار المعلول ، دون أن يملك في هذا الاستتباع والاقتران أيّ اختيار.
وهذه هي الطريقة العامة لإثبات أيّ سببية محتملة بين شيئين ، ولا ينبغي سلوك طريقة البراهين القبلية لإثبات أنّ حب ذي المقدمة علة لحب المقدمة ، بل لا بدّ من الاستقراء والملاحظة والتجربة الوجدانية التي وعاؤها النفس ، حيث لا مطمع في برهان إلّا الوجدان ، إذ هو الذي يدرك التلازم بين إرادة الواجب النفسي وبين مقدماته ، وأن الإنسان دائما كلّما أراد شيئا أراد مقدماته تبعا لمراده النفسي (١).
وهذا الوجدان لم ينكره حتى أولئك الذين التزموا رسميا بعدم وجوب المقدمة ، كالسيد الخوئي «قده» (٢) ، حيث يصرح بذلك الوجدان ثم يستدرك على نفسه ، بأنّ هذا ليس قولا بوجوب المقدمة ، إذ الوجوب حكم شرعي بينما الشوق ليس حكما شرعيا.
ولكن الصحيح إنّ هذا القول هو قول بالوجوب ، إذ إنّ النزاع ليس في الألفاظ ، وإنما البحث في وجوب المقدمة بالقدر الذي يحقّق ثمرة النزاع ، والثمرة هي وقوع التعارض بين دليل الأمر بالإنقاذ ، وبين دليل حرمة الغصب ، بناء على القول بوجوب مطلق المقدمة ، لأنّ خطاب «أنقذ» يترشح منه وجوب غيري على دليل «الغصب» ، فيجتمع دليلان على شيء واحد وهما «أنقذ ولا تنقذ» ، بينما لا يقع التعارض على القول بعدم الوجوب ، ولكن بعد اعترافنا بترشح حب مولوي من ذي المقدمة مطلق على المقدمة يقع التعارض.
ونحن لسنا وقفا على اصطلاحات الحكم ، بل نحن تبعا للثمرة ، إذ لا
__________________
(١) بل تكاد تكون إرادة المقدمات شأنا تكوينيا من شئون المراد للنفسي الأصلي.
(٢) أجود التقريرات : ج ١ ص ٢٣١.