يفرق الحال فيها بين كون الوجوب الغيري هو الجعل أو الحب ، فإنّ ميزان التعارض إنما هو الحب مع البغض ، وليس الجعل مع الحب ، ولا الجعل مع الجعل.
وعليه ، فيكون هذا القول قولا بوجوب المقدمة ، غاية الأمر أنه وجوب وجعل بلحاظ عالم الشوق والحب.
ثم إنّه بقيت أدلة حاول القائلون بوجوب المقدمة أن يستدلوا بها نستعرضها تباعا :
الدليل الأول :
وهو يتكون من مقدمتين : كبرى ، وصغرى.
أمّا الكبرى : فهي أنه كلما صحّ على الإرادة التكوينية ، يصح على الإرادة التشريعية ، لأنهما من سنخ واحد.
وأمّا الصغرى : فهي أنه يصح على الإرادة التكوينية الملازمة بين إرادة الشيء وإرادة مقدمته ، فينتج أنه تصدق الملازمة في جانب الإرادة التشريعية.
والصغرى في هذا الدليل يمكن أن تقرّب بأحد تقريبين :
التقريب الأول : هو أنه قد صحّ إن إرادة ذي المقدمة تستلزم إرادة المقدمة ، بمعنى إن كل من اشتاق أن يأتي بفعل ، فهو يشتاق للإتيان بمقدماته ، وذلك بدليل أنه يأتي بالمقدمة ، وإلّا فلو لم يصح ، لما أتى بالمقدمة ، وهذا البرهان «إنّي» ، بمعنى أنّ المريد يأتي بالمقدمة ، وهذا معلول للشوق الغيري ، فهو مشتاق إذن للمقدمة ، إذ الفعل الصادر عن المختار ، ما كان ليصدر لو لم تتعلق به الإرادة.
وهذا البرهان «الإنّي» هو الذي يميّز الإرادة التشريعية عن الإرادة التكوينية ، إذ إنّه غير موجود في الإرادة التشريعيّة ، ومن هنا جعلت الملازمة في الإرادة التكوينية أمرا مفروغا عنه ، ولذلك استدلّ به على الإرادة