رابعا : هو إن عدم عدم السواد لو فرضناه هو العلة ، فالنتيجة ، إنّ السواد معلول لعدم البياض ، بمقتضى القول بالمقدمية ، وعدم البياض معلول لعدم عدم السواد عند المحقق الأصفهاني «قده» ، فينتج أنّ السواد معلول لعدم عدم نفسه ، بل إنّ عدم السواد أصبح علة للسواد.
وحينئذ نقول : بأن هذه العليّة مستحيلة ، إذ كما أن عليّة الشيء لنفسه مستحيلة ، كذلك عليّة عدم عدم السواد للسواد مستحيلة.
وتقريب استحالة عليّة عدم عدم السواد للسواد هو أنّ يقال : إنّ عدم السواد لو صار علة للسواد لكان ظرف عليّته ومؤثريته في طول الفراغ في ارتفاع نقيض السواد ، فتكون عليّته مقيّدة لا محالة بارتفاع أحد النقيضين ، ولا محالة أنّ الطرف المقيّد لا يمكن أنّ لا يقع فيه النقيض الآخر ، بل يكون وقوعه ضرورة ، وعلى هذا تستحيل العليّة والمؤثرية.
وبتعبير آخر يقال : إنّ العليّة والمؤثرية مقيّدة في المقام بثبوت ذات العلّة ، وذات العلة هي نفس النقيض ، وهذه العليّة المقيدة لا يوجد في ظرفها أيّ إمكان لمعلولها ، بل يخرج من الإمكان إلى الوجوب الذاتي غايته ما دام مقيّدا ، أي : ضرورة «ماداميّة» ، ومعها تستحيل المؤثرية ، فمثلا بعد فرض أربعة ، يستحيل أنّ يوجد عليّة لزوجيتها ، وعلية فيبقى إشكال الدور مسجّلا.
وإن شئت قلت : إنّ عدم العدم ، إن أريد به إضافة العدم إلى واقع العدم ، فهو مستحيل ، لأنّ الوجود والعدم عارضان على الماهيّة ، لا على واقع الوجود أو العدم ، إذ إنّ اتصاف واقع الوجود بالوجود أو بالعدم ، وكذلك اتصاف واقع العدم بذلك ، مستحيل ، لأنّه يستلزم التناقض ، أو إثبات الشيء لنفسه ، وإن أريد انتزاع مفهوم اعتباري للعدم ، وإضافة العدم إليه على حدّ إضافته إلى الماهيّات ، فهذا المفهوم أمر اعتباري ذهني محض ، ويستحيل أن يكون عدمه علة للوجود الحقيقي ، كما هو لازم جواب المحقق الأصفهاني عن الدور ، وعليه فيبقى إشكال الدور مسجلا.