وهذا الفرض باطل أيضا بالوجدان ، وذلك لأنّ عاطفة الحب والبغض متقدّمة بمتعلقها ، فهي كالعلم والقدرة ، من الصفات الحقيقيّة ذات الإضافة ، قوامها في متعلقها ، إذن فلا بدّ من تعيين المتعلّق ، وهذا المتعلّق ، إمّا أن يتعيّن في طرف الفعل ، فيكون حبا ، وإمّا أن يتعيّن في طرف الترك ، فيكون بغضا.
فالعاطفة تتبدّل بتبدل المتعلّق ، كالعلم عند ما يتبدل متعلّقه.
٣ ـ الفرض الثالث : هو أنّه يوجد عاطفتان : عاطفة حب ، وعاطفة بغض ، وكلتا العاطفتين منشؤهما واحد ، هو الملاك والمصلحة ، وهذا الملاك يولّد كلتا العاطفتين في عرض واحد ، فحينما يرى الإنسان العطشان المصلحة إذا شرب الماء ، حينئذ يتولد عنده عاطفتان هما : حبّ شرب الماء ، وبغض ترك الشّرب ، فيكون غض الترك جزءا للملاك النفسي للمولى ، وكلاهما منشؤهما واحد.
وهذا الفرض يفيد القائل بأن الأمر بالشيء يتضمّن النهي عن ضده العام ، إذ معناه أنّه وراء الأمر دائما عاطفة مزدوجة ، تشتمل على حب الفعل ، وبغض تركه.
وهذا الفرض أكثر معقوليّة من الفرض الأول ، لعدم مخالفته الوجدان ، وأكثر معقوليّة من الفرض الثاني ، لعدم وجود محذور عقلي فيه كما في الثاني.
ولا ينبغي الإشكال ، في أنّ ترك المحبوب مبغوض ، ولكنّ الكلام في أنّ هذه المبغوضية عرضيّة كما يدّعي هذا القول ، أو طوليّة ، كما في الفرض الآتي ، وتلك دعوى عهدتها على مدّعيها.
٤ ـ الفرض الرابع : وهو الأقرب ، وإن كان هو الفرض الثالث نفسه ، غايته أنّه يفترض الطوليّة بين العاطفتين.