** (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : إذا نادى المنادي للصلاة يوم الجمعة فامشوا إلى الصلاة لسماع خطبة الخطيب التي يذكر فيها اسم الله كثيرا واتركوا البيع والشراء ذلك أفضل لكم. ـ لقد ورد عن كعب قوله : إن الله فضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ومن الأيام الجمعة. وقيل : يوم الجمعة : هو يوم الفوج المجموع والفوج : هو جمع كثيف من الناس .. ويوم الجمعة ـ بفتح الميم ـ هو يوم الوقت الجامع وبضم الميم تثقيل للجمعة وقرئ بهن جميعا .. ونودي : من النداء أي الأذان. وقالوا : المراد به : الأذان عند قعود الإمام على المنبر وسمي منبرا لارتفاعه من نبر الشيء : أي رفع. قال ابن فارس : كل شيء رفع فقد نبر ومنه المنبر .. وكسرت ميمه على التشبيه باسم الآلة الذي يكسر أولها ويفتح ما قبل آخرها .. ويقال : إن أول من عمل المنبر هو تميم الداري عمله للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تقوم الساعة وهو عند الله يوم المزيد. وعنه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : أتاني جبريل وفي كفه مرآة بيضاء وقال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيدا ولأمتك من بعدك وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه إلى الآخرة يوم المزيد. وقيل : كان يقال : من محاسن الإسلام يوم الجمعة ببغداد وصلاة التراويح بمكة ويوم العيد في طرطوس .. وعلى ذكر «بغداد» فقد تبارى في مدحها الشعراء وتغنى بها المغنون في كل عصر وزمان وقد قال في بغداد أبو القاسم الوراق هذه الأبيات :
أعاينت في طول من الأرض أو عرض |
|
كبغداد دارا إنها جنة الأرض |
صفا العيش في بغداد واخضر عوده |
|
وعود سواه غير صاف ولا غض |
تطول بها الأعمار إن غذاءها |
|
مريء وبعض الأرض أمرا من بعض |
وفي رواية أخرى جاء الشطر الأول من البيت الأول : أعاينت في طول من الأرض والعرض. وجاء عجز البيت الثاني : وعيش سواها غير صاف ولا غض. أما البيت الثالث فقد جاء على النحو الآتي :
تطول بها الأعمار إن مياهها |
|
عذب وبعض الماء أعذب من بعض |
** (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية عشرة .. أي انفضوا إليها بمعنى : تفرقوا عنك يا محمد مسرعين إليها وتركوك قائما تخطب على المنبر.
** سبب نزول الآية : روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب للجمعة فمرت قافلة إبل تحمل طعاما فخرج الناس من المسجد لما سمعوا اللهو والطبل اللذين أعدا لاستقبالها بهما وتركوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قائما ولم يثبت معه غير اثني عشر شخصا .. فنزلت هذه الآية الكريمة توبخهم. وعلى ذكر «رأوا» قيل : إن الذي يرى ليس كالذي يسمع .. قال الشاعر وهو يريد أن المشاهدة أقوى في معرفة الأمر من السماع به :
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما |
|
قد حدثوك ؛ فما راء كمن سمعا |
الشاعر هنا يعرض على رجل من المعترف لهم بكرم الأصول أن يزورهم ليرى بنفسه ما حدثه به الناس عنهم من حسن لقائهم للضيف وقيامهم له بما توحيه الأريحية ثم علل هذا العرض بأن الذي يرى ليس كالذي يسمع.