أي أخلصه .. وقولهم : نصح الثوب ـ ينصحه ـ نصحا ـ من باب «قطع» بمعنى : خاطه ومنه قول رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «من اغتاب خرق ومن استغفر رفأ» ومنه أيضا : نصحت توبته : أي خلصت من شوائب الرجوع بمعنى : صدقت. ومنه التوبة النصوح وهي التوبة الصادقة كأنها صحيحة ليس فيها خرق ولا ثلمة وهي صفة التائبين وذلك أن يتوبوا عن القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين أشد الاغتمام لارتكابها عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح موطنين أنفسهم على ذلك. وقيل أيضا : وصفت التوبة بخالصة كقولهم : هذا عسل ناصح : أي خالص الشمع. ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس : أي تدعوهم إلى مثلها لظهورها أو ظهور أثرها في صاحبها. وقيل : نصوحا من نصاحة الثوب : أي توبة ترفو الخروق في الدين وترم الخلل .. أما «النصيحة» فجمعها : نصائح : وهي الإخلاص .. وتأتي بمعنى الدعاء إلى ما فيه الصلاح والنهي عما فيه الفساد. والنصح والنصوح كالشكر والشكور ـ بضم النون وفتحها .. وبضم الشين وفتحها ـ والكفر والكفور. أي توبة ذات نصوح والتوبة والتوب والمتاب : مصادر الفعل «تاب» من باب «قال ـ يقول ـ قولا» وهو الرجوع عن الذنب نحو : تاب الرجل ـ يتوب ـ توبة وتوبا ومتابا إلى الله ـ بمعنى : ندم أو رجع عن معصية الله فهو تائب ـ اسم فاعل ـ ويقال : تاب الله على العبد : أي غفر له ورجع عليه بفضله .. فالله تعالى تواب ـ فعال بمعنى فاعل ـ أي أنه سبحانه كثير المغفرة والفضل على عباده.
** (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) : جاء هذا القول الكريم في الآية الكريمة العاشرة وفيه مثل أو جعل الله عزوجل حال الكفار بحال امرأة نوح وامرأة لوط لما نافقتاهما وخانتا الرسولين بالنفاق في أمر الدين ولا يجوز ان يراد بالخيانة هنا الفجور لأنه بعيد عن نساء الأنبياء لقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : «ما بغت امرأة نبي قط». وخيانة امرأة نوح هي قولها عن زوجها لقومه : إنه مجنون .. أما خيانة امرأة لوط فهي أنها دلت على ضيف زوجها وهم الملائكة الذين أرسلوا لإهلاكهم نتيجة فسقهم ولا يجوز أن يراد بخيانة المرأتين المذكورتين الفجور لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد بخلاف الكفر فإن الكفار لا يستسمجونه أي لا يستقبحونه بل يستحسنونه ويسمونه حقا.
** (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) : أي وقيل لهما أي لزوجتي نوح ولوط ادخلا النار مع الداخلين إليها ولم يقل : مع الداخلات لأن المعنى : مع سائر الداخلين أو مع داخليها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط بمعنى : فلم ينفعهما زوجاهما لأن الكفار يعاقبون على كفرهم .. وعداوتهم للمؤمنين معاقبة أمثالهم أي معاقبة مثلهم من غير إبقاء ولا محاباة ولا ينفعهم مع عداواتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو صلة صهر لأن عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله لم ينفعهما الرسولان بحق ما بينهما وما بينهما من وصلة الزواج اغناء من عذاب الله .. وفي الآية الكريمة ضرب الله أي جعل أو مثل حال المؤمنين من أن وصلة الكافرين لا تضرهم ولا تنقص شيئا من ثوابهم وزلفاهم «أي ومنزلتهم» عند الله بحال امرأة فرعون «آسية بنت مزاحم» ومنزلتها عند الله مع كونها زوجة أعدى أعداء الله الناطق بالكلمة