** (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة وفيه يكون الأصل : ما ترى فيهن أو في خلقهن من تفاوت فوضع مكان الضمير قوله «خلق الرحمن» تعظيما لخلقهن وتنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت .. و «طباقا» بمعنى : مطابقة بعضها فوق بعض. و «تفاوت» بمعنى : مخالفة أو اختلاف وعدم تناسب وهي جمع «طبق» أو «طبقة» و «الطباق» في علم البلاغة العربية هو الجمع بين الشيء وضده في الكلام نحو : ليل ونهار .. كريم وبخيل .. فقير وغني .. وهو على نوعين : طباق الإيجاب : نحو قوله تعالى في سورة «الكهف» : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) وطباق السلب نحو : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) سورة النساء آية : ١٠٨ ويقال : أطبق الرجل الشيء : بمعنى : غطاه وجعله مطبقا فتطبق .. ويأتي الفعلان «أطبق» و «غطا» بمعنى واحد في قولنا : أطبق الليل : أي أظلم.
** (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. أي يرجع إليك مطرودا وهو كليل والمراد هنا : بعيدا عن إصابة المطلوب أي وهو منقطع النظر .. ولم يقل : ينقلب إليك خاسئا ـ بوضع المضمر ـ وأعاد «البصر» أي وضع الظاهر موضع المضمر لأن الذي يرجع خاسئا حسيرا وهو «النظر» غير مدرك أو وهو ضعيف ومعنى «التثنية» : التكرير بكثرة. أي المراد والمقصود بها : التكثير لا العدد اثنان حصرا. وأصل «الكرة» الحملة في الحرب ومنه «الكرار» بمعنى الشديد أو الكثير المنازلة أو الكثير الكر في القتال والمنازلة وهو من صيغ المبالغة ـ فعال بمعنى : فاعل ـ و «الكرار» هو صفة من صفات الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ يقال : كر ـ يكر ـ كرا .. من باب «رد» بمعنى : رجع. يروى عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه صاح بغلامه كرات فلم يجبه أو يلبه فنظر فإذا هو بالباب فقال له : ما لك لم تجبني؟ قال لثقتي بحلمك وأمني من عقوبتك. فاستحسن جوابه وأعتقه.
** (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة. أي زينا السماء القريبة من الأرض بكواكب مضيئة .. و «الدنيا» مؤنث «الأدنى» أي الأقرب بمعنى السماء أو أقرب السموات إلى الأرض وجعلناها قذائف نرجم بها الشياطين كلما اقتربت من السماء لتتسمع أقوال الملائكة وتعلنها ـ تشيعها ـ في الأرض و «رجوما» جمع «رجم» وهو ما يرجم به وأصله : مصدر بمعنى : راجمات أي مرجوما بها كالحجارة للشياطين .. و «رجم» مصدر سمي به ما يرجم به. وقيل : الشياطين هنا : الأعداء ومعنى كون الكواكب مراجم للشياطين أن الشهب التي تنقض لرمي المسترقة منهم منفصلة من نار الكواكب لا أنهم يرجمون بالكواكب أنفسها لأنها قارة في الفلك على حالها وما ذلك إلا كقبس يؤخذ من نار والنار ثابتة كاملة لا تنقض والمسترقة ـ اسم فاعلة ـ أي تتسرق السمع. وقيل : من الشياطين المرجومة التي ترجم من يقتله الشهاب ومنهم من يخبله. وقيل : معناه : وجعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم النجامون. وعن محمد بن كعب : والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ولكنهم يبتغون الكهانة «أي التحدث بالغيب».
** (تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة .. المعنى : تتمزق غضبا وهو تصوير لشدة اشتعالها وجعلت جهنم كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم. يقال : فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا ويجوز أن يراد غيظ الزبانية وخزنتها ـ جمع خازن ـ هم مالك وأعوانه من الزبانية أي الموكلون بها.