** (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة .. المعنى : النجم المضيء كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه كما قيل : درىء لأنه يدرؤه : أي يدفعه. وأصله : والنجم الطارق الثاقب فتكون «النجم الثاقب» مفسرة للطارق أي ترجمة كلمة بأخرى والفائدة من ذلك أن الله عزوجل أراد أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيما له لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة وأن ينبه على ذلك فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره وهو ـ الطارق ـ ثم قال : وما أدراك ما الطارق؟ ثم فسره بقوله : النجم الثاقب كل هذا إظهار لفخامة شأنه كما قال سبحانه في سورة «الواقعة» : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) أي أقسم بمساقط النجوم قال الشاعر :
يا صبح : ما للشمس غير مضيئة |
|
يا ليل : ما للنجم غير مبين |
يا نار : ما للنار بين جوانحي |
|
يا نور : أين النور ملء جفوني |
** (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة .. المعنى فأمهل يا محمد الكافرين ولا تستعجل هلاكهم أمهلهم مهلا رويدا بمعنى إمهالا يسيرا .. وقد خالف سبحانه بين اللفظتين لزيادة التسكين منه والتبصير وهي تأكيد للفعل .. أي لا تشتغل بالانتقام منهم .. بمعنى : ارفق بهم .. ومنه القول : مهلا يا رجل .. وسر على مهل .. وهو مصدر ناب عن فعله ويستوي فيه المذكر والمؤنث مفردا ومثنى وجمعا. ومعنى الآية الكريمة : لا تدع يا محمد بهلاك الكافرين ولا تستعجل به. و «رويدا» مصدر ـ مفعول مطلق ـ مرخم للفعل «أرود» بمعنى : أمهل ويأتي مفعولا مطلقا إذا نون أو أضيف نحو : رويدا في القراءة .. ورويدك في الكتابة أما إذا لم ينون فهو اسم فعل أمر بمعنى : أمهل نحو : رويد الطالب فإنه خجلان ويكون فاعل «رويد» ضميرا مستترا وجوبا تقديره : أنت. والطالب : مفعولا به منصوبا بالفتحة. ويقال : أمهل إمهالا وتمهل في أمرك تمهلا : بمعنى : اتئد في أمرك ولا تعجل .. والمهلة ـ بضم الميم ـ بمعنى : الرفق. وقال الشاعر :
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل |
|
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي |
أغرك مني أن حبك قاتلي |
|
وأنك مهما تأمري القلب يفعل |
خاطب الشاعر هنا «عنيزة» باسمها الآخر وهو «فاطمة» مرخما إياه. قال أحد النقاد معقبا على قول إمرئ القيس : ولعمري إذا لم يغرها منه كل ذلك فأي شيء يغرها!؟ وقال ابن المعتز ومثل إمرئ القيس في ذلك كمثل الأسير يقول لمن أسره : أغرك أني أسير في يديك؟. وقال الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت |
|
من الحوادث إلا الشيب والصلعا |
فأي شيء تنكره المرأة من الرجل أشد من ذلك! و «فاطم» اسم مرخم أي حذف حرفه الأخير وأصله فاطمة حذف آخره تخفيفا وترقيقا وأبقيت الفتحة على الطاء وهي أصلها قبل حذف الهاء وهذا النوع من الترخيم يسمى باسم : لغة من ينتظر. أما لو قيل : فاطم ـ بضم الميم ـ لسميت لغة من لا ينتظر لأن ما بقي منه بعد حذف آخره هو جعله كل الاسم ولأعرب مبنيا على الضم في محل نصب والترخيم مأخوذ من «رخم الصوت» أو الاسم : بمعنى : صيره رخيما : أي رقيقا ولينا. وكلمة «بعض» في الشعر المذكور نصبت بالمصدر «مهلا» لأن «مهلا» ينوب مناب «دع» أي اتركي .. بمعنى : دعي بعض هذا التدلل. وجاء الفعل «يفعل» مكسور اللام مراعاة للقافية أي الروي .. وأصله : يفعل بتسكين آخره لأنه جواب الشرط مجزوم باسم الشرط «مهما».