ولا تقربه .. ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه .. وهما إماطة الجوع وإفادة القوة والسمن في البدن .. أو أريد أن لا طعام لهم أصلا لأن «الضريع» ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس .. لأن الطعام هو ما أشبع أو أسمن وهو منهما بمعزل كما يقال : ليس لفلان ظل إلا الشمس .. يراد نفي الظل على التوكيد. وقيل : قال كفار قريش : إن الضريع لتسمن عليه إبلنا فنزلت (لا يُسْمِنُ ..) فلا يخلو إما أن يتكذبوا ويتعنتوا بذلك ـ وهو الظاهر ـ فيرد قولهم. بنفي السمن والشبع وإما أن يصدقوا فيكون المعنى : إن طعامهم من ضريع ليس من جنس ضريعكم وإنما هو من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع. يقال : تطعم الرجل الشيء : بمعنى : ذاقه .. وقيل في أمثال العرب : تطعم تطعم : أي ذق حتى تشتهي فتأكل .. يضرب هذا المثل في التشويق إلى الشيء وقولهم : طاعمه : بمعنى : أكل معه والطعام : جمعه أطعمة. والطاعم : اسم فاعل أما اسم المفعول فهو المطعوم وهو ما يؤكل أو يذاق ومنه اسم «المطعم» ـ مفعل ـ اسم مكان وهو موضع الأكل. وقولهم : ما يطعم آكل هذا : بمعنى : ما يشبع. ويقال فلان مطعم اسم مفعول .. بمعنى : مرزوق.
** (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. المعنى : لا تسمع فيها لغوا أي كلاما باطلا لا يعتد به .. لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم. يقال : ألغيت هذا الشيء من حسابي : بمعنى : أسقطته فأنا ملغ ـ اسم فاعل ـ والشيء ملغى ـ اسم مفعول ـ وكان ابن عباس يلغي طلاق المكره أي يسقطه ويبطله. ويقولون : تكلم فلان باللغو واشتغل باللغو : بمعنى : قال ما لا يعتد به من كلام وغيره وبمعنى : أثم في حلفه. ومنه «اللغو في اليمين ـ الحلف ـ وهو ما لا يعقد عليه القلب كقول القائل : لا والله وبلى والله. قال تعالى في سورة «المائدة» : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) صدق الله العظيم. بمعنى : لا يؤاخذكم الله على ما يبدر منكم من الأيمان بلا قصد كقول الرجل : لا والله .. بلى والله .. ولكن يؤاخذكم بما وثقتم الأيمان عليه بالقصد والنية لأن الأيمان المذكورة جرى عليها اللسان في الاستعمال. ومن أخطائهم الشائعة قولهم : اعتبرت هذه المادة لاغية : يريدون : أعدت باطلة في حين أن الصواب القول : إنها ملغاة ـ اسم مفعول للفعل الرباعي «ألغى» لأن المادة لا تلغي نفسها حتى يقال : لاغية ـ اسم فاعل ـ بل ثمة ـ هناك ـ من يلغيها وهو الملغي ـ اسم فاعل ـ أي المبطل يقال : لغا الشيء ـ يلغو لغوا .. من باب «عدا» و «صدى» بمعنى : بطل فهو لاغ وهي لاغية قال العجاج :
أستغفر الرحمن ذا التعظم |
|
من اللغا ورفث الكلام |
والرفث : هو الفحش وقولهم : لغا الرجل : معناه : تكلم باللغو وهو أخلاط الكلام. كما في الآية الكريمة.
** (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة. المعنى : أفلا ينظرون نظر الاعتبار إلى الجمال ـ النوق ـ كيف خلقت.
** سبب نزول الآية : أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة قال : لما نعت الله تعالى ما في الجنة عجب من ذلك أهل الضلالة فأنزل الله : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ ..).
و «الإبل» اسم جمع لا واحد ـ مفرد ـ لها وهي لفظة مؤنثة لأن اسم الجمع الذي لا واحد له من لفظه إذا كان لما لا يعقل يلزمه التأنيث وتدخله الهاء إذا صغر نحو : أبيلة وغنيمة.