خوفا شديدا فقالوا : ربّنا وسيّدنا لمن خلقت هذه النار؟ قال : لمن عصاني من خلقي ولم يكن يومئذ لله خلق إلّا الملائكة ، فلمّا قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة عرفوا أنّ المعصية منهم ، أو لأنّهم علموا أنّ المجعول خليفة يكون له ثلاث قوى عليها مدار أمره : شهويّة وغضبيّة تؤديان به إلى الفساد وسفك الدّماء ، وعقليّة تدعوه إلى المعرفة والطاعة واستخدام الأوليين بعد تسخيرهما وتعليمهما ما علّمها الله تعالى في مقاصدها ، لكن قضيّة التركيب هو التغالب والتقاهر فكلّ منها بين قاهر غالب أو مقهور مغلوب ، ولذا نظروا إليها كما هي مردّدة بين الحالين وقالوا : ما الحكمة في استخلافه ، وهو باعتبار تينك القوتين لا تقتضي الحكمة إيجاده فضلا عن استخلافه وامّا باعتبار القوّة العقليّة ففي استخلافنا ما يترتّب عليه تلك المقاصد سليمة عن معارضة تلك المفاسد ، ولذا قال الله سبحانه في جوابهم (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (١) من أنّ الملائكة وان منحوا بالجنبة الرّوحانيّة ولوازمها من الإشراقات واللّذات العقليّة إلّا أنّه ليس لهم جنبة جسمانيّة ولا استعدادات كلّية لدرجات متفاضلة ، ولا إحاطة فطريّة او كسبيّة لإدراك النشآت المختلفة ، وأمّا الإنسان فانّه محيط بجميع المراتب المختلفة محتو على ما في العوالم المترتّبة سائر في الأطوار المتباينة من الجماديّة والنباتيّة والحيوانيّة والملكيّة مستفيدا بصورته التركيبيّة التي استعدّت بها للمنح الالهيّة والفيوض الربانيّة لما تقصر عنه الآحاد كالاحاطة بالجزئيّات واستنباط الصناعات واستخراج منافع الكائنات من القوّة إلى الفعل وقوّة التّصرف فيها بالتّسخير والتّدبير والتدمير وله التّرقي عن جميع تلك المراتب بان
__________________
(١) البقرة : ٣٠.