دلالتها على المقصود بشيء من الوجوه المتقدّمة ، ضرورة انّ سؤالهم لم يكن للإنكار ولا لتنبيه الله عزوجل على شيء لا يعلمه ولا للاعتراض عليه في فعله ، بل إنّما المقصود من ذلك أمور منها ما مرّت اليه الإشارة من السّؤال عن وجه الحكمة فانّ إبداء الأشكال طلبا للجواب غير محذور فكانّهم قالوا ربّنا أنت الحكيم الذي لا تفعل السفه البتّة وتمكين الظّلم من الظلم والفساد قبيح من الحكيم فضلا عن خلقه فما الحكمة في ذلك فأجابهم الله تعالى بقول : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (١) أي من الخيرات الكثيرة التي لا يتركها الحكيم لأجلّ الشرور القليلة.
ومنها : أنّ ذلك مسألة منهم ان يجعل الأرض أو بعضا لهم ان كان ذلك صلاحا نحو قول موسى : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (٢) اي لا تهلكنا فأجابهم الله عزوجل بانّي أعلم من صلاحكم وصلاح هؤلاء ما لا تعلمون وانّ الأصلح لكم السّماء ولهم الأرض ، وقد مرّ في الأخبار المتقدّمة أنّهم سألوه أن يجعل الخليفة منهم فأجيبوا بذلك (٣).
ومنها : أنّه تعالى أخبر الملائكة بانّه سيكون من ذريّة هذا الخليفة من يعصي ويسفك الدّماء على ما يحكى عن ابن مسعود وغيره ، والغرض في اعلامه ايّاهم أن يزيدهم ايمانا ويقينا بعلمه بالغيب ، أو ليعلموا أنّ آدم انّما خلق للأرض لا للجنّة فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفعل كذا وكذا على وجه التعرف لما فيه من الحكمة ولعلّه يرجع إلى الأوّل إلّا أنّه يقتضي أن يكون حذف في أوّل الكلام ويكون التقدير
__________________
(١) البقرة : ٣٠.
(٢) الأعراف : ١٥٥.
(٣) البحار ج ٩٩ ص ٢٠٦.