وبعدها عنه ، كما أشير اليه فيما مرّ نقله من كتاب «الأنوار» وغيره ، وقد علّمها الله تعالى آدم بأن جعل تكوينه من القبضات المأخوذة من جميع العوالم الكليّة ، وجعل طينة مستعدّة لظهور الحجج والأنبياء سيّما محمّد وآله الطّيبيّن صلوات الله عليهم أجمعين. منها في هذه النشأة الدّنيوية ، فعلّمه الأسماء الكلّية والحقائق الكونيّة تعليما تكوينيّا ، وجعلها مستعدّة لإدراك كلّ حقيقة من الحقائق بما فيه من القبضة المأخوذة من تلك النشأة والتّجلي الحاصل من ذلك الاسم ، فكان أنموذجا وخلاصة مأخوذة من جميع العوالم ، فخلق في عالم النّاسوت بعد خلق جميع اجزائه الكونيّة ، لأنّ ما هو متقدّم في الخلقة الملكوتيّة متأخّر في الظّهور النّاسوتي فيتعاكس التقدّم الدّهري والزّماني ، فلمّا دارت الأدوار وتمّت الأكوار ظهر الإنسان ، محيطا على جميع الشؤون والنّشآت ، مجمعا لجميع الاقتضاءات والاستعدادات ، قابلا للتّرقيّات من جميع الجهات ، فهو ثمرة شجرة الوجود ، والقابل لإشراق أشعّة أنوار الشّهود ، فكما أنّ الثمرة تعبر على أجزاء الشجرة كلّها حتّى تظهر على أعلى الشجرة بعد تمامها ، كذلك عبّر آدم على جميع أجزاء شجرة الوجود حتّى ظهر في هذه النشأة الدّانية السافلة في كسوة الناسوت.
وأمّا الملائكة فكلّ منهم له مقام معلوم لا يتعدّاه ، ولا يدرك ما سواه ، ولا يعبد الله سبحانه إلّا بلسان واحد ، ولا يدعوه إلّا باسم واحد ، وأمّا سائر الأسماء الالهيّة فمحجوبة عنهم لا يدركونها أصلا نعم ربما كان الاسم الّذي يدعوه به واحد منهم مغايرا لما يدعوه به الآخر لكنّها متّفقة في نوع الاتّحاد بخلاف الإنسان ، فانّه يدعوه بأسمائه الحسنى وأمثاله العليا ونعمه الّتي لا تحصى المفسّرة في الأخبار