من نور ، وأمّا احتمال كون السجود له على وجه القبلة والجهة او مجرّد الامتحان من دون التكريم والتعظيم أصلا فيدفعه انّه لو كان كذلك لم يجز أنفة إبليس من ذلك بل قوله : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (١) وقوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢) وغير ذلك من مساق ما ورد في بيان هذه القصّة يدلّ على أنّ امتناع إبليس عن السجود انّما هو لاعتقاد التّفضيل به والتكرمة له ، فلو لم يكن الأمر على ذلك لوجب على الله إعلامه بانّه ما أمره بالسجود على وجه تعظيمه له ولا تفضيله عليه ، بل على الوجه الأخر الّذي لا حظّ للتفضيل فيه ، وقضيّة اللّطف عدم جواز إغفاله مع كونه سبب معصية إبليس وضلالته.
هذا مضافا إلى الاخبار الكثيرة الدّالة على كونه على وجه التعظيم والتكريم لآدم حسبما تأتي إلى جملة منها الإشارة ، ثمّ انّه بعد ما ثبت تفضيل آدم على جميع الملائكة بمقتضى ما تضمّنته هذه القصّة يثبت أيضا تفضيل سائر الأنبياء والمرسلين والأئمّة الطّاهرين صلّى الله عليهم أجمعين عليهم أيضا لإطلاق الخليفة عليهم على بعض الوجوه ولأفضليّة بعضهم كاولي العزم وغيرهم ايضا على آدم ، ولعدم القول بالفصل بين آدم وغيره من الأنبياء.
ولذا قال السيّد رضى الله عنه في الغرر والدّرر انّه كلّ من قال إنّ آدم عليهالسلام أفضل من الملائكة ذهب إلى أنّ جميع الأنبياء أفضل من جميع الملائكة ولا أحد من الأمّة فصّل بين الأمرين (٣).
__________________
(١) الإسراء : ٦٢.
(٢) الأعراف : ١٢.
(٣) الغرر والدرر : ج ٢ ص ٣٣٣.