والجواب انّك قد سمعت أنّ الآية دليل لنا لا علينا ، ولو بمعونة الأخبار المفسّرة لها حسبما مرّ شطر منها ، ولعلّ المعنى على ما قيل إنّا فضّلناهم على من خلقناه وهم كثير من دون أن يريد التّبعيض فيجري مجرى قوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) (١) ، اي كلّ ثمن أخذ عنها فهو قليل من دون ان يريد التّخصيص بان يمنع عن الثمن القليل خاصّة ومثله قول الشاعر :
من أناس ليس من أخلاقهم |
|
عاجل الفحش ولا سوء الجزع |
وانّما أراد نفي الفحش والجزع على إطلاقهما وان وصفهما على صورة التقييد ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد هو التّفضيل في وجوه الكرامة المذكورة في الآية من رزق الطّيبات وحملهم في البرّ والبحر وأين هذا من الأفضليّة بالأقربيّة واكثريّة الثّواب ، سلّمنا لكنّه لا حجيّة في دليل الخطاب في مثل المقام على ما قرّر في الأصول من عدم حجيّة مفهوم العدد واللّقب ونحوهما ، سلّمنا لكنّه باعتبار مقابلة المجموع بالمجموع.
ومنها قوله تعالى : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٢) ، اي إلّا كراهة أن تكونا ملكين فرغّبهما في التناول من الشجرة في منزلة الملائكة حتّى دلّاهما بغرور ، وذاقا منها فبدت لهما سوءاتهما ، ومن البيّن أنّ التّغرير إنّما يحصل بالتّرغيب على منزلة هي فوق منزلته حتّى يحمله ذلك
__________________
(١) المائدة : ٤٤.
(٢) الأعراف : ٢٠.