عنها على انّه انّما قال ذلك حين استعجلته قريش العذاب الّذي أوعدوا به بقوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١) ، والمعنى انّي لست بملك موكّل بالعذاب حتّى أنزله عليكم باذن الله كما كان ذلك بجبرئيل وغيره من الملائكة ، او انّهم سألوه الأمور العظيمة اقتراحا كصعود السماء واسقاطها كسفا وتفجير العيون من الأرض وغيرها فأجاب بانّي بشر عليّ إقامة الحجّة والهداية على الطّريقة السّوية ، ولست بملك موكّل بهذه الأمور كما حكى عنهم في قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٢).
ومنها قوله تعالى في بني آدم : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٣) ، بناء على أنّ المكلّفين من مخلوقاته سبحانه أفضل من غيرهم ، وجملة المكلّفين اربعة انواع : الملائكة ، وبنو آدم ، والجنّ ، والشياطين ، ولا ريب انّ بني آدم أفضل من الأخيرين ، فلو كانوا أفضل من الاول ايضا لكانوا أفضل من جميع ما خلقه فلا يستقيم التّفضيل على الأكثر المشعر بعدم التفضيل على القليل سيّما في مقام الامتنان بالتّشريف والتكريم.
__________________
(١) الانعام : ٤٩.
(٢) الإسراء : ٩٠ ـ ٩٣.
(٣) الإسراء : ٧٠.