ومنها : قوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) (٥) ، حيث إنّ ظاهره ولو بمعونة غيره من الآيات والأخبار كونهم رسلا إلى الأنبياء ، والّرسول أفضل من المرسل إليه ، سلّمنا كونهم رسلا إلى الملائكة ، لكنّ الرسول الّذي كلّ أمته رسل معصومون أفضل ممّن ليس كذلك ، وهو يتمّ على الوجه الاول ايضا.
والجواب انّ الرسالة قد تكون على وجه الحكومة والولاية على النفس والمال وغيرهما وهذا يدلّ على الفضيلة ، وقد تكون على وجه الإخبار والإعلام ومجرّد التبليغ ، ولا دلالة فيه على الأفضليّة كما يرسل السّلطان إلى وزيره واحدا من غلمانه لإعلامه ببعض مقاصده ، ولو مع اطّلاع الوزير قبل ذلك بما أخبره به لإقامة بعض الرسوم ودفع لجاج الخصوم ، فمجرّد الوساطة في التبليغ لا يدلّ على الأفضليّة.
ومنها قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٦) ، فلو لم يكن حال الملائكة أفضل من حال النّبي لم يحسن منه مثل هذا الكلام.
والجواب أنّ الغرض من سوق الكلام إنّما هو نفي ما لم يكن عليه لا التّفضيل لذلك على ما هو عليه ، ولذا عطف عليه في الآية الاخرى (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) (٧) وهذه منزلة خسيسة ينبغي تنزيه النّبي
__________________
(٥) فاطر : ١.
(٦) الانعام : ٥٠.
(٧) هود : ٣١.