قال بعد هذه الآية بفصل قليل : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) (١) ، الآيات.
على أنّه قد يقال : لا نزاع في انّ الملائكة أشدّ قوّة وقدرة من البشر ، ولو في زعم المخاطبين واعتقادهم ، فكانّه يقول إنّ الملائكة مع شدّة قوّتهم وطول أعمارهم لا يتركون العبوديّة لحظة واحدة فالبشر مع ضعفهم وعروض الفتور والهرم والمرض بالنّسبة إليهم أولى بأن لا يتركوا العبادة ، وهذا القدر كاف في صحّة الاستدلال ، وأين هذا من الدّلالة على الأفضليّة بمعنى كثرة الثواب والاقربيّة؟
ثمّ انّه يحتمل في الآية أن يكون (مِنْ دابَّةٍ) بيانا للموصولة (وَالْمَلائِكَةُ) عطفا عليها لظهور الدّبيب في حركة الأجسام ، فيكون المراد استيعاب الماديات والمجرّدات بناء على القول بتجرّد الملائكة ولذا استدلّ بها عليه على ما يأتي.
ومنها قوله تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢).
والتقريب قريب ممّا مرّ من جهة التخصيص بعد التعميم للتشريف والتكريم والتوصيف بدوام التّسبيح ونفي الاستكبار والاستحسار والفتور ، على أنّ المراد بالعنديّة عنديّة القرب والشرف لا عنديّة المكان والجهة.
والجواب ظاهر بعد ما سمعت ، والعنديّة حاصلة للمؤمنين ايضا : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٣) ، وفي القدسيات : أنا عند المنكسرة قلوبهم (٤).
__________________
(١) النحل : ٥٧.
(٢) الأنبياء : ١٩ ـ ٢٠.
(٣) القمر : ٥٥.
(٤) في البحار : ج ٧٣ ص ١٥٧ : قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآله : اين الله؟ فقال صلىاللهعليهوآله : عند المنكسرة قلوبهم.