الكلام وانما أشرنا إلى شطر منها في المقام لما في القول المذكور من الغرابة.
بقي الكلام في شيء وهو أنّه قد اختلف أهل العلم في معنى اللام في المقام وفي قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) وقوله (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (٢) وغيرها مما يضاهيها.
فاصحابنا الإمامية وأكثر المعتزلة حملوها على ظاهرها من الدلالة على الغاية والفائدة ولو باعتبار عودها إلى خلقه لا إلى ذاته الذي هو غني عن فعله فضلا عن غيره.
وأمّا الاشاعرة فقالوا أنّه تعالى لما فعل ما لو فعله غيره لكان فعله لذلك الشيء لأجل الغرض لا جرم أطلق عليه ما يدل على الغرض بقرينة المشابهة المسوغة للتجوز ، واستدلوا على نفي الغرض بأن من فعل فعلا لغرض كان مستكملا بفعل ذلك الشيء والمستكمل بغيره ناقص لذاته.
وتوهم ان فعله تعالى معلل بغرض غير عايد إليه بل إلى غيره مدفوع بأنّ عود ذلك الغرض إلى ذلك الغير هل هو أولى لله تعالى من لا عود ذلك الغرض أو ليس أولى ، فان كان الاول فهو قد انتفع بذلك الفعل فيعود المحذور المذكور ، وان كان الثاني لم يكن تحصيل ذلك الغرض للغير غرضا لله تعالى فلا يكون مؤثرا في فعله وبان من فعل فعلا لغرض كان عاجزا عن تحصيل ذلك إلا بواسطة ذلك الفعل والعجز محال عليه سبحانه.
وبأنّه تعالى لو فعل فعلا لغرض فذلك الغرض ان كان قديما لزم قدم الفعل ، وإن كان حادثا كان فعله لذلك الغرض لغرض آخر ولزم التسلسل وهو محال.
__________________
(١) الذاريات : ٥٦.
(٢) هود : ١١٩.