لملائكته ، فما الظّن بالغيبة الّتي هي من أعداء الله ، وفي غيبة الامام صلوات الله عليه عبادة ملخصة لم تكن في تلك الغيبة ، وذلك أنّ الامام الغائب صلوات الله عليه مقموع مقهور مزاحم في حقّه قد غلب قهرا وجرى على شيعته قسرا من أعداء الله ما جرى من سفك الدّماء ونهب الأموال ، وإبطال الاحكام ، والجور على الأيتام ، وتبديل الصّدقات ، وغير ذلك ممّا لا خفاء به ، ومن اعتقد موالاته شاركه في اجره وجهاده ، وتبرّأ من أعدائه وكان له في براءة مواليه من أعدائه اجر ، وفي ولاية أوليائه اجر يربو على أجر ملائكة الله عزوجل على الايمان بالإمام المغيب في العدم ، وإنّما قصّ الله نبأه قبل وجوده (توقيرا) وتعظيما ليستعدّ له الملائكة ويتشمّروا لطاعته.
وإنّما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنّه قادم عليهم حتّى يتهيّئوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ، ومعه عذرهم في تقصير إن قصّروا في خدمته ، كذلك بدأ الله عزوجل بذكر نبأه إبانة عن جلالته ورتبته ، وكذلك قضيته في السلف والخلف ما قبض الله خليفة إلّا عرّف خلقه الخليفة الّذي يتلوه ، وتصديق ذلك قوله عزوجل (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (١) الآية ، فالّذي على بيّنة من ربّه محمّد صلىاللهعليهوآله ، والشاهد الّذي يتلوه عليّ بن ابي طالب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ويدلّ عليه قوله عزوجل : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) (٢) ، والكلمة من كتاب موسى المحاذية لهذا المعنى حدو النعل بالنعل
__________________
(١) هود : ١٧.
(٢) هود : ١٧.