المخاطب إلى المعنى الموضوع له كما مثّلنا في الإشارة.
ثمّ قال : فان قلت : لو كان ذلك كذلك لم يجهل أحد شيئا من المعاني والواقع خلافه.
قلت : انّما احتيج للعلم بالوضع هنا لشدّة خفاء المناسبة لأنّها مناسبات حرفية من عالم الغيب على ما حقّق في محلّه.
فان قلت : إذا كانت مناسبات حرفيّة من عالم الغيب فما الفائدة في ملاحظتها واعتبارها إذا لم يطلع عليها جميع المخاطبين؟
قلت : الفائدة شيئان : أحدهما اقتضاء حكمة الحكيم ان لا يخصّص شيئا بشيء بغير مناسبة يقتضي التخصيص مع قدرته على ذلك ، وثانيهما : أنّ ذلك أسكن لقلب المخاطب لو تنبّه في بعض الأحوال لبعض المناسبات ، كما ذكر في الفرق بين الفصم والقصم ، وفي زنة فعلان محركا وفي دلالة الوضع للأصوات بما يناسبها كما قيل في صوت الغراب غاق ، وفي صوت شفتي الناقة عند شربها شبب ، إذ لو وضع غاق لصوت شفتي الناقة عند الشرب وشبب لصوت الغراب ثمّ تنبه المخاطب للمناسبة لنفرت نفسه من ذلك لما بين اللفظ وبين معناه من المنافرة.
وذكر في موضع أخر : أنّ المناسبة لا يزيد منها خصوص المناسبة الشخصيّة ، بل قد تكون مناسبة نوعيّة كمناسبة الإنسان لزيد وعمرو ، أو جنسيّة كمناسبة الحيوان لزيد والفرس ، بل لا نريد منها إلّا مطلق الصلوح الذّاتي للمسمّى في المادة والهيئة ، إلّا أنّه يعبّر في صلوح هيئة اللفظ لهيئة المعنى مشخصيّة الارتباط بينهما.
ثمّ أطنب الكلام في بيان المناسبة بين موادّ الحروف وهيئات الترتيب