أقول : وسيأتي تفسير قوله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (١).
عن «مصباح الشريعة» ، وغيرها ما يدلّ عليه ، وبيان السرّ في ذلك.
وروت العامّة أنّ إبليس أراد ان يدخل عليهما الجنّة فمنعته الخزنة فأتى الحيّة وهي دابّة لها أربع قوائم كأنّها البعير ، وهي كأحسن الدوابّ فكلّمها أن يدخل في فيها حتى يدخل الى آدم فأدخلته في فمها فمرّت الحيّة على الخزنة فدخلت وهم لا يعلمون لما أراد الله من الأمر : فكلّمه من فمها.
وفي خبر آخر : انّ عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض انّها تحمله وتدخل به الجنّة حتّى يكلّم آدم وزوجته ، فكل الدوابّ أبى ذلك عليه حتّى كلّم الحيّة ، فقال لها : انا أمنعك من بني آدم فأنت في ذمّتي إذا ادخلتني الجنّة ، فجعلته بين نابين من أنيابها ثمّ دخلت به ، فكلّمهما من فيها ، وكانت كاسية تمشي على اربع قوائم ، فأعراها الله تعالى وجعلها تمشي على بطنها (٢).
وروي أنّ أول ما ابتداهما به من كيده ايّاهما انّه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له ما يبكيك؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفترقان ، أو قال : فتفارق ما أنتما عليه من النّعمة والكرامة ، فوقع ذلك في أنفسهما ثمّ أتاهما فوسوس إليهما فقال : يا آدم هل ادلّك على شجرة الخلد (٣) (فَأَخْرَجَهُما) بوسوسته وغروره ممّا (مِمَّا كانا فِيهِ) من النعمة والدّعة وممّا كانا قد خوطبا قبل ذلك بقوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَا
__________________
(١) الأعراف : ٢١.
(٢) جامع البيان للطبري ج ١ ص ١٨٨.
(٣) جامع البيان ج ١ ص ١٨٨.