دويّا كدويّ الخابية ، فقال للملائكة لا يهمنّكم إن كان ملكا فهو منكم ، وان يكن من غيركم فأنا أكفيكموه ، وذلك قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١) فكان ممّن اتّبعه هاروت وماروت.
ثمّ دخل في جوفك فخرج من دبرك ، فكلّما أصاب الطعام من نتن فهو من ذلك ، لأنّ ممرّ إبليس لعنه الله كان بطنك فيعز من ذلك ، ولم يكن آدم يعرف قبل ذلك بزاقا ، ولا مخاطا ، ولا شيئا من الأذى حتّى أكل الطعام.
فلمّا لبث آدم عليهالسلام في الأرض مأتي سنة ولد عوج بن عنق من بنت آدم ، وهو الّذي كان ولد في دار آدم ، وقتله موسى من بعد آدم ، فعاش في الأرض ثلاثة آلاف سنة.
فلمّا استكمل ايّامه أوحى الله إليه أن يا آدم قد استكملت أيّامك ، فانظر الاسم الأكبر وميراث علم النبوّة فادفعه إلى ابنك شيث ، فانّي لم أكن اترك الأرض الّا وفيها عالم يدلّ على طاعتي وينهى عن معصيتي.
فدفع آدم الوصيّة إلى ابنه شيث (٢).
أقول : وهذا الخبر وان كان من طرق المخالفين إلّا أنّه لما كان مرويّا عنه عليهالسلام مشتملا على كثير ممّا في أخبارنا وعلى اتّصال الوصيّة وعدم خلوّ الأرض عن الحجّة أوردناه في المقام ، وأمّا ما فيه من الاشتكاء إلى الأرض والسّماء فلعلّه كناية عن جوعه وحاجته وانسداد أبواب الرزق عليه من السّماء والأرض ، وامّا ما فيه من
__________________
(١) سبأ : ٢٠.
(٢) الملاحم : ص ٣٤ الى ص ٣٨ وهو تأليف الحافظ احمد بن جعفر بن محمد المعروف بابن المنادي المتوفى (٣٣٦).