وفلك الزهرة وفلك المريخ فصار الاستواء إلى السماء بعد الأرض والسماء دخان موجودة وهو قوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) (١) إلى قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (٢) فكان كون السماء قبل كون الأرض وكان عين الأرض قبل عين السماء فكلما لطف وعلا تأخرت صورة الجسمانية ولذا قلنا فلك القمر وفلك زحل والمراد بالاستواء الالتفات أي توجه وجه المشية والقدر.
وهذا الوجه يساعده في الجملة ظاهر آية السجدة لكن الأظهر في دفع التنافي ما ذكرناه أولا ، وامّا سائر الوجوه فبعضها وإن لم يكن به بأس على وجه الاحتمال إلّا أنّ كثيرا منها لا يخلو من ضعف أو اختلال.
(فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) التسوية هو التعديل وجعل الشيئين أو الأشياء على حد سواء ، والمعنى خلقهن مصونة من العوج والأمت والفطور والتفاوت على أعدل ما يمكن وأقومه وأحسنه وأتقنه ، والضمير للسماء بناء على كونها جمعا أو جنسا على ما مر وإن نوقش فيهما بعدم ثبوت الأوّل وعدم كفاية الثاني ، ولذا قيل : إن الاولى كونه مبهما يفسره ما بعده كقولهم : ربه رجلا مع أنّ فيه حينئذ من التفخيم والتشويق والإبهام والتفسير والتمكن في النفس ونحو ذلك ما لا يخفى ، ويمكن كونه للسماء باعتبار نواحيها وجهاتها فتكون الواحدة جماعة كما في قولهم : ثوب اخلاق وامهال أو باعتبار أن السماوات كانت سماء فوق سماء فتكون الجملة واحدة من حيث الاطباق والاحتواء ، أو باعتبار أن المراد بالسماء هو الجوهر الدخاني الذي خلق منه السموات فالافراد باعتبار الوحدة وعدم التميز والتعدد
__________________
(١) فصلت : ٩.
(٢) فصلت : ١١.