قال الله تبارك وتعالى : يا آدم إنّما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئك أن أعصمك منها ، وان أفطنك لدواعي عدوّك إبليس حتّى تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك ، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجيبك.
فعند ذلك قال آدم : اللهمّ بجاه محمّد وآله الطّيبين ، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطّيبين من آلهم لمّا تفضّلت بقبول توبتي ، وغفران زلّتي ، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي.
فقال الله عزوجل قد قبلت توبتك وأقبلت برضواني عليك ، وصرفت آلائي ونعمائي إليك ، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك من رحماتي ، فذلك قوله عزوجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١).
ثمّ قال عزوجل للّذين أهبطهم من آدم وحوّاء وإبليس والحيّة : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) فيها تعيشون ، وتحثّكم لياليها وأيّامها إلى السعي للاخرة ، فطوبى لمن تزوّد منها لدار البقاء (وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم ، لأنّ الله منها يحرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزلكم (٢) ، وينعمكم ، وفيها ايضا بالبلاء يمتحنكم ، ويلذّذكم بنعيم الدنيا تارة لتذكروا نعيم الآخرة الخالص ممّا ينقّص نعيم الدّنيا ويبطله ، ويزهّد فيه ويصغّره ويحقّره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدّنيا الّتي تكون في خلالها الزّحمات وفي تضاعيفها النقمات
__________________
(١) البقرة : ٣٧.
(٢) في البحار : ينزهّكم.