نقيض الحزن السرور ، وأصله غلظ الهمّ من الحزن وهو ما غلظ من الأرض ، والخوف إنّما يحصل من حلول المكروه المتوقّع ، والحزن عن فوات المحبوب الواقع ، وامّا قوله تعالى : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) (١) ، فقد أجاب عنه شيخنا البهائي قدسسره في كشكوله بانّ المراد انّه يحزنني قصد ذهابكم به ، قال : وبهذا يندفع احتراز ابن مالك على النّحاة بالآية الكريمة في قولهم : إنّ لام الابتداء تخلّص المضارع للحال.
أقول والأولى أن يقال : إنّه ايضا بالنسبة إلى الواقع بعد تحقّق الذّهاب لاستناد الفعل إليه ، فلا عبرة بحال التكلّم ، وامّا اندفاع الاحتراز به بالنسبة إلى اللام فقد سبقه فيه غيره كابن هشام ، وستسمع في موضعه تمام الكلام ، وان كنّا قد لوّحنا إليه في المقام أيضا ، فانّ تقدير الآية بعد التأويل بالمصدر انّه ليحزنني إذهابكم إيّاه ، ومن البيّن أنّ الإذهاب موجب للحزن في حاله ، وإن كانا مستقبلين بالنّسبة إلى حال التكلّم ، وبالجملة ففي المقام نفي عنهم خوف وقوع المكروه فضلا عن الخوف الواقع ، وهو ابلغ بيان في نفي العذاب الروحاني والجسماني واثبات الثواب على الوجهين.
وقرئ (هديّ) كقصّي على لغة هذيل ، حيث انّهم يقلبون ألف المقصورة إذا أضيف إلى ياء المتكلّم ، ياء لمناسبتها كسرة المضاف ويدغمونها ، وذلك لأنّ شأن ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها ، فجعل قلب الالف ياء بدل كسرها ، إذ الالف لا تتحرّك ، فهو مثل عليّ ولديّ ، وقرأ يعقوب فلا خوف بفتح الفاء ، على أنّ لا لنفي
__________________
(١) سورة يوسف : ١٣.