أقول : لا يخفى أنّه لو قلنا بأنّ الأشياء من الجمادات وغيرها كلّها مدركة شاعرة حيّة مسبحة لله سبحانه حسبما تسمع تمام الكلام فيه عند تفسير قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١) ، فلا ريب في القول بذلك في الأفلاك والكواكب أيضا سيّما مع التصريح بالسماوات وما فيها كما في أوّل الآية وفي المسبّحات وغيرها من الآيات وان حملنا ذلك على التسبيح التكويني وقلنا أن الأجسام على قسمين : منها حيّة مدركة كالإنسان ومنها فاقدة للإدراك والشعور كالجمادات فمن البيّن أنّه لم يدل دليل على الحاق الأفلاك والكواكب بالثاني دون الأوّل بعد ظهور إمكان كلّ من الوجهين فيها فلا ينبغي الجزم بأحد الوجهين من دون حجّة ولذا قال شيخنا الشهيد الأوّل في قواعده كلّ من اعتقد في الكواكب أنّها مدبرة لهذا العالم وموجدة فيه فلا ريب أنّه كافر وان اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم كما يقوله أهل العدل فهو مخطئ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي (٢) آه.
ومراده كما ترى عدم الثبوت لا ثبوت العدم ، ومن هنا يظهر ضعف ما ذكره الشيخ الأكبر (٣) في شرح القواعد (٤) مازجا عبارته بعبارة العلّامة قائلا : وعمل التّنجيم حرام ، وكذا تعلّم علم النّجوم والفلكيّات ، وتعليمه ، وعلمه بالنظر من غير تعليم مع اعتقاد قدمها لذاتها ، وهو كفر الإنكار والإشراك ، أو لقدم علّتها ، وحدوثها متّصفة بالعلوم والإدراكات وصفة الاختيار لها مع الصفات ، وهذان من كفر إنكار الضّروريّات انتهى.
__________________
(١) الإسراء : ٤٤.
(٢) القواعد للشهيد : ج ٢ ص ٣٥.
(٣) هو الشيخ جعفر بن خضر الجناجي النجفي المتوفى سنة (١٢٢٧) ه
(٤) هو شرح مبسوط لطهارة «قواعد العلّامة» مستقصى فيه كلام الفقهاء.