(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) المعنى : أوفوا بعهدي الذي أبلغته إليكم بواسطة الأنبياء والرسل من المواثيق والطاعات والعبادات ، وهي كثيرة يأتي في الآيات التالية تعداد أصولها ، ومنها ما عهد إليهم الإيمان بشريعة خاتم المرسلين كما يستفاد من قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) (١).
والوفاء بالعهد سواء أكان من الناس أم من الله تعالى يرجع الى مصلحة الناس أنفسهم ، وإنما سمّى سبحانه ذلك عهدا وأوجب وفاءه على نفسه تحنّنا منه وترغيبا لعباده الى الطاعة حيث يكون لهم حق مطالبة الجزاء مع الشرط ، فيصير المقام نظير آية الاشتراء : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٢) ، مع أن السلعة والمشترى وقدرته وإرادته من الله تعالى.
(أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب من باب الإفعال وقرأ الزهري (٣) : «أوفّ» بالتشديد من باب التفعيل ، يمكن أن يكونا بمعنى ، ولا فرق بينهما ، ويمكن أن يراد به الكثير ، وهو إشارة الى عظيم كرمه وإحسانه ومزيد امتنانه ، حيث أخبر وهو الصادق أنه يعطي الكثير في مقابل القليل ، وهو صرّح بذلك في قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٤).
عن تفسير الإمام عليهالسلام : قال الله عزوجل : «يا بني إسرائيل ولد يعقوب إسرائيل الله
__________________
(١) البقرة : ٤١.
(٢) التوبة : ١١١.
(٣) الزهري : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدني أحد العلماء الكبار ، ولد سنة (٥٠) ه ومات سنة (١٢٤) ه ، غاية النهاية : ج ٢ ص ٢٦٢.
(٤) الانعام : ١٦٠.