الدّليل ، لا لوجود المانع منه ، وهو انعقاد الضرورة على خلافه ، فهو ممكن غير معلوم الوقوع ، ولعلّ وجهه أنّ الضّروري ، عدم نسبة تلك الأفعال إلى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار الله تعالى ، كما هو ظاهر قول المفوّضة.
أمّا استنادها إلى الفاعل بارادة الله المختار بعين مشيّته واختياره حتّى يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار به بحيث يصدّق عليه أنّه فعله وفعل الله تعالى ، فلا مانع عنه إذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل إلى الله على وجه الحقيقة لا إثباته لغيره أيضا بحيث يصدق أنّه فعله.
نعم ما ذكر الشهيد طاب ثراه من عدم الدّليل عليه حقّ ، فالقول به تخرّص ، ونسبة لفعل الله إلى غيره بلا دليل وهو قبيح ثمّ قال سلمه الله : وما ذكره قدسسره كأنّ مأخذه ما في «الاحتجاج» عن هشام (١) بن الحكم قال سأل الزّنديق أبا عبد الله عليهالسلام ، فقال : ما تقول فيمن يزعم أنّ هذا التدبير الّذي يظهر في هذا العالم تدبير النّجوم السّبعة؟ (٢) قال عليهالسلام : يحتاجون إلى دليل أنّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النّجوم الّتي تسبح في الفلك (٣) وتدور حيث دارت متبعة ، لا تفتر (٤) وسائرة لا تقف ، ثمّ قال : عليهالسلام : وانّ كلّ نجم منها موكّل مدبّر فهي بمنزلة العبيد
__________________
تعالى هو المؤثر الأعظم.
(١) هشام بن الحكم الكوفي الواسطي البغدادي المتوفى سنة (١٧٩) ه
(٢) وهي الشمس والقمر ، وزحل والمرّيخ والمشتري ، وعطارد والزهرة ، بناء على رأي القدماء.
(٣) الفلك (بضم الفاء وسكون اللام) : جمع فلك (بفتح الفاء واللام) وهي المدارات حول الشمس.
(٤) تفتر : فعل مضارع على وزان يقعد ويجلس أي لا تضعف.