فلا يعقل أن يصدّق القرآن الأكاذيب التي أدخلوها في التوراة إذا فليس المراد تصديق كلّ ما معهم ، بل المصدّق بعض ما معهم ، وما هو إلّا البشارات الموجودة في التوراة ، كما قال تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (١).
وقال تعالى في سورة النساء : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) (٢).
وقد يشير إلى ما معهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٣).
(وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) لا تسارعوا الى الكفر به من بين أهل الكتاب أو من بني إسرائيل ، فإنّ وظيفتكم أن تكونوا أول المؤمنين به لأنّكم تعرفون حقيّته ، وقد كنتم من قبل تقولون : إنّا نكون أول تابع له.
ولا يكون المراد بالأوّل مطلقا ، فإنّ كفّار مكّة كانوا قد سبقوهم الى الكفر به.
ونقل عن أبي العالية (٤) أنه قال : معناه «لا تكونوا السابقين الى الكفر به ، أي
__________________
(١) سورة البقرة : ٨٩.
(٢) سورة النساء : ٤٧.
(٣) سورة البقرة : ١٤٦.
(٤) هو رفيع بن مهران ابو العالية الرياحي البصري أدرك الجاهلية وأسلم بعد ارتحال النبي صلىاللهعليهوآله بسنتين ، وروى عن جماعة من الصحابة ، وروى عنه جماعة ، كان عالما بالقرآن ، وقال ابو بكر بن أبي داود : ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية ، وبعده سعيد بن جبير ، مات يوم الثالث من شوال سنة (٩٠) ه تهذيب الكمال : ج ٦ ص ٢٢٠.