الأنبياء بحقّ ، وقوله تعالى عقيب هذه الآية : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) لا يدلّ على إباحة ذلك بالثمن الكثير ، فكذا هاهنا ، بل المقصود من هذه السياقة استعظام وقوع الجحد والإنكار ممّن قرأ في الكتب نعت رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفته.
رابعها : قال المبرّد (١) : هذا الكلام خطاب لقوم خوطبوا به قبل غيرهم ، فقيل لهم : لا تكفروا بمحمّد صلىاللهعليهوآله فإنّه سيكون بعدكم الكفّار فلا تكونوا أنتم أوّل الكفار ، لأنّ هذه الأوّليّة موجبة لمزيد الإثم ، وذلك لأنّهم إذا سبقوا الى الكفر أولا ، فإنّ اقتدى بهم غيرهم في ذلك الكفر كان لهم وزر ذلك الكفر ووزر كلّ من كفر إلى يوم القيامة ، وإن لم يقتد بهم غيرهم اجتمع عليهم أمران : أحدهما : السبق إلى الكفر ، والثاني : التفرّد به ولا شك أنّه منقصة عظيمة. (٢)
وقال أبو حيان في «البحر المحيط» : النهي في قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) لا يدل على اباحة الكفر لهم ثانيا أو أخيرا لأنّ الصفة لا مفهوم لها هنا.
ولما أشكلت الأوليّة هنا زعم بعضهم أنّ (أوّل) صلة يعني زائدة ، والتقدير : ولا تكونوا كافرين به ، وهذا ضعيف جدا.
وزعم بعضهم أنّ ثمّ محذوفا معطوفا تقديره : ولا تكونوا أوّل كافر به ولا آخر كافر ، وجعل ذلك ممّا حذف المعطوف لدلالة المعنى عليه.
__________________
(١) هو أبو العباس المبرّد محمد بن يزيد الازدي البصري إمام أهل النحو في زمانه ، وصاحب التصانيف ، أخذ عن أبي عثمان المازني ، وأبي حاتم السجستاني وتصدّر ببغداد ، من مصنفاته «الكامل» و «المقتضب» و «طبقات النحاة البصريين» ، و «معاني القرآن» ، توفي ببغداد سنة (٢٨٥) ه ، العبر ج ٢ ص ٨٠ ، هدية الأحباب : ص ٢٢٩.
(٢) التفسير الكبير للرازي : ج ٣ ص ٤١ ـ ٤٢.