ثمّ في بحر الصبر ، ثمّ في بحر الخشوع ، ثمّ في بحر التواضع ، ثمّ في بحر الرضا ، ثمّ في بحر الوفاء ، ثمّ في بحر العلم ، ثمّ في بحر التّقى ، ثمّ في بحر الخشية ، ثمّ في بحر الإنابة ، ثمّ في بحر العمل ، ثمّ في بحر المزيد ، ثمّ في بحر الهدى ، ثمّ في بحر الصّيانة ، ثمّ في بحر الحياء ، حتّى تقلب في عشرين بحرا ، فلمّا خرج من آخر الأبحر قال الله تعالى : يا حبيبي وسيّد رسلي ويا أوّل مخلوقاتي ويا آخر رسلي أنت الشّفيع يوم المحشر ، فخرّ النور ساجدا ثمّ قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق الله تعالى من كلّ قطرة من نوره نبيّا من الأنبياء ، فلمّا تكاملت الأنوار صارت تطوف حول نور محمّد صلىاللهعليهوآله كما تطوف الحجّاج حول بيت الله الحرام ، وهم يسبّحون الله ويحمدونه ويقولون : سبحان من هو عالم لا يجهل ، سبحان من هو حليم لا يعجل ، سبحان من هو غنيّ لا يفتقر ، فناداهم الله تعالى : تعرفون من أنا؟ فسبق نور محمّد صلىاللهعليهوآله قبل الأنوار ونادى : أنت الله لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك ، ربّ الأرباب وملك الملوك ، فإذا بالنداء من قبل الحق أنت صفيّي وأنت حبيبي وخير خلقي ، أمّتك خير أمّة أخرجت للنّاس ثمّ خلق من نور محمّد صلىاللهعليهوآله جوهرة ، وقسّمها قسمين : فنظر الى القسم الأوّل بعين الهيبة فصار ماء عذبا ، ونظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوى على وجه الماء ، فخلق الكرسي من نور العرش ، وخلق من نور الكرسي اللّوح ، وخلق من نور اللوح القلم الى آخر الخبر (١).
وبالجملة فالأخبار الدالّة على بدو العالم ومقدار كينونته مختلفة جدّا بحيث لا يمكن الجمع بينها إلّا بالتأويلات البعيدة الّتي لا داعي إلى ارتكابها في المقام ، بل الأولى ردّ علمه إلى أهله.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٥٧ ص ١٩٨ ـ ٢٠٠.