ملائكة الله عزوجل خلقهم الله تعالى كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ، وليس شيء من أطباق وجوههم إلّا وهو يسبّح الله ويحمده من كلّ ناحية بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتسبيح والبكاء من خشية الله تعالى ، فسألت جبرائيل عنهم فقال : كما ترى خلقوا أنّ الملائكة منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قطّ ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقهم ، ولا خفضوا رؤوسهم إلى ما تحتهم ، خوفا من الله تعالى وخشوعا ، فسلّمت عليهم فردّوا عليّ إيماء برءوسهم ولا ينظرون إليّ من الخشوع ، فقال لهم جبرئيل عليهالسلام : هذا محمّد نبيّ الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيّا وهو خاتم الأنبياء وسيّدهم أفلا تكلمونه ، قال : فلمّا سمعوا ذلك من جبرئيل أقبلوا عليّ بالسلام وبشّروني وأكرموني بالخير لي ولأمتي (١).
وأمّا ما رواه العامّة عن ابن عباس من أنّه سبحانه إنّما قال هذا القول للملائكة الذين كانوا محاربين مع إبليس لأنّ الله تعالى لمّا أسكن الجنّ الأرض فأفسدوا فيها وسفكوا الدّماء وقتل بعضهم بعضا فبعث الله إبليس في جند من الملائكة فقتلهم إبليس بعسكره حتى أخرجوهم من الأرض والحقوهم بجزائر البحر فقال تعالى لهم إنّي جاعل في الأرض خليفة (٢).
ففيه أنك ستسمع فيما يأتي أنّ إبليس لم يكن من الملائكة ، وأنّه لم يقاتل الجنّ بل قوتل بالملائكة فقتل حزبه وأسروا نفسه ، وأمّا كون المخاطبين خصوص المحاربين فهو غير واضح ايضا ، سيّما بعد ما سمعت من الكشط عن أطباق
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٨ ص ٣٢٤.
(٢) تفسير الفخر الرازي : ج ٢ ص ١٦٥.