شكره وتمجيده ، وجعلها الحجج على كلّ معترف له بملكة الربوبيّة وسلطان العبوديّة ، واستنطق بها الخرسان بأنواع اللّغات بخوعا له بأنّه فاطر الأرضين والسّماوات ، واشهدهم خلق خلقه ، وولّاهم ما شاء من أمره ، وجعلهم تراجم مشيّته ، والسن إرادته عبيدا لا يسبقونه بالقول : وهم بامره يعملون (١) آه.
ومنها : جامعيته للنشئات الكونيّة ومظهريّته للأسماء الالهيّة والصّفات الفعليّة على ما تأتي إليه الإشارة في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (٢) وإن كان مرجعه إلى سابقه في ركنه الأعظم الّذي هو العمدة في معنى الخلافة قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) استفهام على وجه الاستعلام عن وجه الحكمة والمصلحة في استخلاف أهل المعصية مكان أهل الطّاعة ليعلموا الحكمة في ذلك مفصّلا بعد ما علموه مجملا من علمه وحكمته ، أو تعجّب عن السّر النّاهض والحكمة التي أوجبت استخلاف من يفسد في الأرض لغرض عمارتها وإصلاحها ، مع أنّ الإفساد والسفك على طرف الضّد من المطلوب على أنّ ما هو المقصود الاصلي من الخلق وهو العبادة إنّما يتأتّى منّا لا منهم ولذا قالوا : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) أرادوا أنّهم معصومون عن معصيته ، مداومون على طاعته ، لا يستكبرون عن عبادته ، ولا يستحسرون ، يسبّحون اللّيل والنّهار لا يفترون ، فاستكشفوا عن الحكمة العجيبة التي غلبت تلك المفاسد والغتها وترجّحت على مصلحة استخلافهم على ما هم عليه من دوام الطاعة حتى أهملتها ، وكان مقصودهم
__________________
(١) البحار : ج ٩٧ ص ١٣١ ـ ١١٤ ح ٨.
(٢) البقرة : ٣١.