والتسبيح التنزيه وأصله تبعيد الله عن السوء من سبح في الأرض إذا ذهب فيها وابعد ، ومنه السباحة للقوم ، وفرس سابح كثير الجري ، ولذا قيل : إنّ السّبح في الأصل سرعة الذهاب في الماء ، ثمّ استعير لجرى النجوم في الفلك ، ولجرى الفرس ، ثمّ لسرعة التّسبيح والطّاعة.
والواو في قوله : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ) للحال ، والجملة حالية مقرّرة للاشكال على ما مرّ ، والعامل فيها (أَتَجْعَلُ) كأنّه قال أتجعل فيها من يفسد فيها وهذه حالنا و (بِحَمْدِكَ) في موضع الحال أي متلبّسين بحمدك على ما ألهمتنا من معرفتك ووفّقتنا لتسبيحك ، أو بحمدك بمعنى والحمد لك ، نظير (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) (١) أي والنعمة له ، ولعلّ مرجعه إلى الأوّل ، والمراد تدارك ما أوهمه اسناد التّسبيح إلى أنفسهم وتنجيز الشكر على التوفيق للعبادة ، أو نسبّحه لما هو عليه من المحامد ذاتا وفعلا ، والمراد كونه محمودا أو نسبّحه بالتكلّم بالحمد له ، فإنّ النّطق بالحمد لله تسبيح له كما قيل في قوله : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) والتّسبيحات الأربع يطلق عليها التسبيح ، وإن كان بعضها تحميد او تهليلا وتكبيرا وعلى هذا فيكون بيانا للتّسبيح متعلقا به.
وهذا كلّه مع إرادة التنزيه من التسبيح ، ويمكن ان يراد به الصلاة ورفع الصوت والتكلّم كما قيل ، اي نصلّي لك كما في قوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) (٢) أي من المصلّين او نرفع أصواتنا بذكرك ، ومنه قول جرير (٣) :
__________________
(١) القلم : ٢.
(٢) الصافات : ١٤٣.
(٣) جرير بن عطيّة بن حذيفة اليربوعي الشاعر المتوفى (١١٠) ه