.................................................................................................
______________________________________________________
ومما ذكرنا ظهر : انه لا وجه لإرادة الجواز بالمعنى الاخص لأن الجواز الموجود في ضمن الوجوب حصة غير الحصة الموجودة في الجواز بالمعنى الاخص.
وأما الدليل المنسوخ فغاية ما يمكن ان يقال في توجيه دلالته على ثبوت الجواز ان اللفظ الدال على معنى مركب له دلالتان : مطابقية وتضمنيّة ، فهو يدل على الجواز والمنع من الترك بالدلالة المطابقية ، ويدل على الجواز بالدلالة التضمنية ، والناسخ انما دل على رفع دلالته المطابقية فتبقى دلالته التضمنية على الجواز.
وفيه أولا : ان الدلالة التضمنية انما هي من توابع المطابقية ، وبعد ارتفاع الدلالة المطابقية بالنسخ لا تبقى الدلالة التضمنية لانها تبع لها ، وبعد ارتفاع المتبوع لا معنى لبقاء التابع.
وثانيا : ان الدلالة التضمنية التي كانت في ضمن الدلالة المطابقية هي الدلالة على حصة من الجواز ولم يكن هناك دلالة تضمنية على الجواز بمعناه الكلي ، اذ ليس الكلي بما هو كلي جزءا من المركب وانما جزء المركب حصة منه. ومن الواضح ـ أيضا ـ انه لا دلالة تضمنية على حصة اخرى من الجواز حتى يثبت الجواز بالمعنى الأخص ، والحصة التي كانت في ضمن المركب الوجوبي لا بد من ارتفاعها ، اذ لا إشكال في ان هذه الحصة من الجواز غير الحصة الاخرى الموجودة في ضمن غيره من الاباحة والاستحباب.
فاتضح : انه لا دلالة لكل من الدليل الناسخ والمنسوخ على بقاء الجواز بمعناه الأعم ولا بمعناه الاخص. واتضح ـ أيضا ـ مما ذكرنا انه لا دلالة لهما على ثبوت غير الجواز من الاحكام : من الاستحباب والكراهة والحرمة.
اما الاستحباب فلأن فصل الجواز فيه امر وجودي وهو رجحان الفعل على الترك ، ولا ينبغي ان يتوهم دلالة دليل الناسخ الرافع للوجوب على بقاء الجواز متفصّلا بفصل وجودي. وكذلك الكراهة فإن فصلها أيضا الرجحان ، غايته انه للترك على الفعل ، ولا دلالة لدليل الناسخ على بقاء الجواز متفصّلا بفصل رجحان