تعجز من بقي كما أعجزت من غبر. (١)
وَخَرَجَ علیهما السلام يَوْماً وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَرْقُوعٌ فَعُوتِبَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَخْشَعُ الْقَلْبُ بِلُبْسِهِ وَيَقْتَدِي بِيَ الْمُؤْمِنُ إِذَا رَآهُ عَلَيَّ.
وَاشْتَرَى علیهما السلام يَوْماً ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ فَخَيَّرَ قَنْبَراً فِيهِمَا فَأَخَذَ وَاحِداً فَلَبِسَ هُوَ الْآخَرَ وَرَأَى فِي كُمِّهِ طُولاً عَنْ أَصَابِعِهِ فَقَطَعَهُ.
وَخَرَجَ يَوْماً إِلَى السُّوقِ وَمَعَهُ سَيْفُهُ لِيَبِيعَهُ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي هَذَا السَّيْفَ فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ لَطَالَ مَا كَشَفْتُ بِهِ الْكَرْبَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم وَلَوْ كَانَ عِنْدِي ثَمَنُ إِزَارٍ لَمَا بِعْتُهُ.
وَكَانَ علیهما السلام قَدْ وَلَّى عَلَى عُكْبَرَا (٢) رَجُلاً مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ قَالَ لِي عَلِيٌّ علیهما السلام إِذَا صَلَّيْتَ الظُّهْرَ غَداً فَعُدْ إِلَيَّ فَعُدْتُ إِلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَلَمْ أَجِدْ عِنْدَهُ حَاجِباً يَحْبِسُنِي دُونَهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِساً وَعِنْدَهُ قَدَحٌ وَكُوزُ مَاءٍ فَدَعَا بِوِعَاءٍ مَشْدُودٍ مَخْتُومٍ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي قَدْ أَمَنَنِي حَتَّى يُخْرِجَ إِلَيَّ جَوْهَراً فَكَسَرَ الْخَتْمَ وَحَلَّهُ فَإِذَا فِيهِ سَوِيقٌ فَأَخْرَجَ مِنْهُ فَصَبَّهُ فِي الْقَدَحِ وَصَبَّ عَلَيْهِ مَاءً فَشَرِبَ وَسَقَانِي فَلَمْ أَصْبِرْ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَصْنَعُ هَذَا فِي الْعِرَاقِ وَطَعَامُهُ كَمَا تَرَى فِي كَثْرَتِهِ فَقَالَ أَمَا وَاللهِ مَا أَخْتِمُ عَلَيْهِ بُخْلاً بِهِ وَلَكِنِّي أَبْتَاعُ قَدْرَ مَا يَكْفِينِي فَأَخَافُ أَنْ يَنْقُصَ فَيُوضَعُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُدْخِلَ بَطْنِي إِلَّا طَيِّباً فَلِذَلِكَ أَحْتَرِزُ عَلَيْهِ كَمَا تَرَى فَإِيَّاكَ وَتَنَاوُلَ مَا لَا تَعْلَمُ حِلَّهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ مُجَاهِدٌ قَالَ قَالَ لِي عَلِيٌ جُعْتُ يَوْماً بِالْمَدِينَةِ جُوعاً شَدِيداً فَخَرَجْتُ أَطْلُبُ الْعَمَلَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ (٣) فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ جَمَعَتْ مَدَراً فَظَنَنْتُهَا تُرِيدُ بَلَّهُ فَأَتَيْتُهَا فَقَاطَعْتُهَا عَلَيْهِ كُلُّ ذَنُوبٍ عَلَى تَمْرَةٍ فَمَدَدْتُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوباً حَتَّى مَجِلَتْ يَدَايَ ثُمَّ أَتَيْتُ الْمَاءَ فَأَصَبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَتَيْتُهَا فَقُلْتُ بِكَفِّي هَكَذَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَبَسَطَ
________________
(١) غبر : ذهب وبقي.
(٢) قال ياقوت : عكبرا اسم بليدة من نواحي دجيل قرب صريفين ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ والنسبة إليها عكبرى.
(٣) العوالي : قرى بظاهر المدنية بينها وبين المدينة أربعة أميال وقيل ثلاثة.