وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَتَوَاعَدُوا الْقِتَالَ وَأَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خُيُولُهُمْ (١) حَتَّى وَقَفُوا عَلَى أَضْيَقَ مَكَانٍ فِي الْخَنْدَقِ ثُمَّ ضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْهُ (٢) وَجَالَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ فِي السَّبَخَةِ (٣) بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَنْدَقِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَذُوا عَلَيْهِمُ الْمَضِيقَ الَّذِي اقْتَحَمُوه فَقَصَدُوهُ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ قَدْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ عَلَامَةً لِيُعْرَفَ مَكَانُهُ وَتَظْهَرَ شِهَامَتُهُ وَلَمَّا وَقَفَ وَمَعَهُ وَلَدُهُ حِسْلٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ مَنْ يُبَارِزُ فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَنَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِنَّهُ عَمْرٌو فَسَكَتَ فَقَالَ عَمْرٌو هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ وَجَعَلَ يُؤَنِّبُهُمْ (٤) وَيَقُولُ أَيْنَ جَنَّتُكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا أَفَلَا يَبْرُزُ إِلَيَّ رَجُلٌ فَقَالَ عَلِيٌّ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ عَمْرٌو فَسَكَتَ ثُمَّ نَادَى عَمْرٌو فَقَالَ
وَلَقَدْ بَحَحْتُ مِنَ النِّدَاءِ بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ |
|
وَوَقَفْتُ إِذْ جَبُنَ الْمُشَجِّعُ مَوْقِفَ الْقَرْنِ الْمُنَاجِزِ (٥) |
وَكَذَاكَ أَنِّي لَمْ أَزَلْ مُتَسَرِّعاً قَبْلَ الْهَزَاهِزِ (٦) |
|
إِنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزِ |
فَقَالَ عَلِيٌّ علیهما السلام أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم إِنَّهُ عَمْرٌو فَقَالَ وَإِنْ كَانَ فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَقَالَ علیهما السلام :
لَا تَعْجَلَنَّ فَقَدْ أَتَاكَ مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرُ عَاجِزٍ |
|
ذُو نِيَّةٍ وَبَصِيرَةٍ وَالصِّدْقُ مَنْجَى كُلِّ فَائِزٍ |
________________
(١) أي تسرع.
(٢) اقتحم الفرس النهر : رمى نفسه فيه.
(٣) السبخة من الأرض : ما يعلوه الملوحة ولا ينبت الا بعض الأشياء.
(٤) أنبه : لامه وعابه.
(٥) البحة والبحاح : غلظ وخشونة في الصوت. والمناجز : المبارز والمقاتل.
(٦) الهزاهز : الحروب والشدائد.