وَلَا هِجْتِ حَتَّى هُيِّجْتِ فَاتَّقِي اللهَ يَا عَائِشَةُ وَارْجِعِي إِلَى مَنْزِلِكِ وَأَسْبِلِي عَلَيْكِ سِتْرَكِ وَالسَّلَامُ.
فَجَاءَ الْجَوَابُ إِلَيْهِ علیهما السلام يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَّ الْأَمْرُ عَنِ الْعِتَابِ وَلَنْ نَدْخُلَ فِي طَاعَتِكَ أَبَداً (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) وَالسَّلَامُ ثُمَّ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ وَتَقَارَبَا وَرَأَى عَلِيٌّ علیهما السلام تَصْمِيمَ الْقَوْمِ عَلَى قِتَالِهِ فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ وَخَطَبَهُمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً قَالَ علیهما السلام فِيهَا وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنِّي قَدْ تَأَنَّيْتُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَرَاقَبْتُهُمْ وَنَاشَدْتُهُمْ كَيْمَا يَرْجِعُوا وَيَرْتَدِعُوا فَلَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ يَسْتَجِيبُوا وَقَدْ بَعَثُوا إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ إِلَى الطِّعَانِ وَأَثْبُتَ لِلْجِلَادِ وَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَلَا أُدْعَى إِلَيْهَا وَقَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا مِنْهَا (١) فَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ الَّذِي فَلَلْتُ حَدَّهُمْ وَفَرَّقْتُ (٢) جَمَاعَتَهُمْ فَبِذَلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي لِمَا وَعَدَنِي مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ وَإِنِّي لَعَلَى غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ أَمْرِي أَلَا وَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ وَمَنْ لَمْ يُقْتَلْ يَمُتْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ وَالَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ.
ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ اللهُمَّ إِنَّ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ أَعْطَانِي صَفْقَةَ يَمِينِهِ طَائِعاً ثُمَّ نَكَثَ بَيْعَتِي اللهُمَّ فَعَاجِلْهُ وَلَا تُمْهِلْهُ وَإِنَّ زُبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ قَطَعَ قَرَابَتِي وَنَكَثَ عَهْدِي وَظَاهَرَ عَدُوِّي وَنَصَبَ الْحَرْبَ لِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ إِلَيَّ اللهُمَّ فَاكْفِنِيهِ كَيْفَ شِئْتَ.
ثُمَّ تَقَارَبُوا وَتَعِبُوا لَابِسِي سِلَاحِهِمْ وَدُرُوعِهِمْ مُتَأَهِّبِينَ لِلْحَرْبِ كُلُّ ذَلِكَ وَعَلِيٌّ علیهما السلام بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَغْلَةٍ ـ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مُصَافَحَةُ الصِّفَاحِ (٣) وَالْمُطَاعَنَةُ بِالرِّمَاحِ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَيْنَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فَلْيَخْرُجْ إِلَيَّ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَخْرُجُ إِلَى الزُّبَيْرِ
________________
(١) القارة : قبيلة وهم رماة (ه. م).
(٢) فلل القوم : كسرهم وهزمهم.
(٣) الصفاح جمع الصفح وهو السيف : عرضه.