سَيْفِي فَأَهْوَى عُبَيْدُ اللهِ يَتَنَاوَلُهُ فَأَخَذَهُ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ لِبُسْرٍ أَخْزَاكَ اللهُ شَيْخاً قَدْ خَرِفْتَ وَاللهِ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَبَدَأَ بِي قَالَ عُبَيْدُ اللهِ أَجَلْ ثُمَّ ثَنَيْتُ بِهِ وَقِيلَ إِنَّ مَسِيرَ بُسْرٍ إِلَى الْحِجَازِ كَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.
رَجَعَ الْحَدِيثُ فَلَمَّا سَمِعَ بُسْرٌ عَلِيّاً يَدْعُو مُعَاوِيَةَ إِلَى الْبِرَازِ وَمُعَاوِيَةُ يَمْتَنِعُ قَالَ قَدْ عَزَمْتُ عَلَى مُبَارَزَةِ عَلِيٍّ فَلَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأَذْهَبُ فِي الْعَرَبِ بِشُهْرَتِهِ وَشَاوَرَ غُلَاماً يُقَالُ لَهُ لَاحِقٌ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ وَاثِقاً مِنْ نَفْسِكَ فَافْعَلْ وَإِلَّا فَلَا تَبْرُزْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ وَاللهِ الشُّجَاعُ الْمُطْرِقُ
فَأَنْتَ لَهُ يَا بُسْرُ إِنْ كُنْتَ مِثْلَهُ |
|
وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّيْثَ لِلضَّبُعِ آكِلٌ |
مَتَى تَلْقَهُ فَالْمَوْتُ فِي رَأْسِ رُمْحِهِ |
|
وَفِي سَيْفِهِ شُغُلٌ لِنَفْسِكَ شَاغِلٌ |
فَقَالَ وَيْحَكَ هَلْ هُوَ إِلَّا الْمَوْتُ وَلَا بُدَّ مِنْ لِقَاءِ اللهِ عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ إِمَّا بِمَوْتٍ أَوْ قَتْلٍ ثُمَّ خَرَجَ بُسْرٌ إِلَى عَلِيٍّ علیهما السلام وَهُوَ سَاكِتٌ بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ عَلِيٌّ علیهما السلام لِحَالَةٍ كَانَتْ صَدَرَتْ مِنْهُ فَلَمَّا نَزَلَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ علیهما السلام حَمَلَ عَلَيْهِ فَسَقَطَ بُسْرٌ عَنْ فَرَسِهِ عَلَى قَفَاهُ وَرَفَعَ رِجْلَيْهِ وَانْكَشَفَ سَوْأَتَهُ فَصَرَفَ عَلِيٌّ وَجْهَهُ عَنْهُ وَوَثَبَ بُسْرٌ قَائِماً وَسَقَطَ الْمِغْفَرُ عَنْ رَأْسِهِ فَصَاحَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ فَقَالَ علیهما السلام ذَرُوهُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ مِنْ بُسْرٍ وَقَالَ لَا عَلَيْكَ فَقَدْ نَزَلَ بِعَمْرٍو مِثْلُهَا وَصَاحَ فَتًى مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَيْلَكُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ أَمَا تَسْتَحْيُونَ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ ابْنُ الْعَاصِ لَعَنَهُ اللهُ تَعَالَى كَشْفَ الْأَسْتَاهِ فِي الْحُرُوبِ وَأَنْشَدَ
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ فَارِسٌ ذُو كَرِيهَةٍ |
|
لَهُ عَوْرَةٌ وَسْطَ الْعِجَاجَةِ بَادِيَةً |
يَكُفُّ بِهَا عَنْهُ عَلِيٌّ سَنَانَهُ |
|
وَيَضْحَكُ مِنْهُ فِي الْخَلَاءِ مُعَاوِيَةُ |
فَقُولَا لِعَمْرٍو وَابْنِ أَرْطَاةَ أَبْصِرَا |
|
سَبِيلَكُمَا لَا تَلْقَيَا اللَّيْثَ ثَانِيَةً |
وَلَا تُحْمَدَا إِلَّا الْحَيَا وَخُصَاكُمَا |
|
هُمَا كَانَتَا وَاللهِ لِلنَّفْسِ وَاقِيَةٌ |
فَلَوْلَاهُمَا لَمْ تُنْجَوَا مِنْ سَنَانِهِ |
|
وَتِلْكَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَوْدِ ثَانِيَةً |
وَكَانَ بُسْرٌ يَضْحَكُ مِنْ عَمْرٍو فَعَادَ عَمْرٌو يَضْحَكُ مِنْهُ وَتَحَامَى أَهْلُ الشَّامِ عَلِيّاً (١) وَخَافُوهُ خَوْفاً شَدِيداً.
________________
(١) تحاماه الناس : توقوه واجتنبوه.