بِظَهْرِهَا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ وَغَارَتْ عَيْنَاهَا فَلَمَّا رَآهَا النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم قَالَ وَا غَوْثَاهْ بِاللهِ يَا أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ تَمُوتُونَ جُوعاً فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ علیهما السلام وَقَالَ خُذْ يَا مُحَمَّدُ هَنَّأَكَ اللهُ فِي أَهْلِ بَيْتِكَ قَالَ وَمَا آخُذُ يَا جَبْرَئِيلُ فَأَقْرَأَهُ (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) إِلَى قَوْلِهِ (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
قَالَ الْخَطِيبُ الْخُوَارِزْمِيُّ حَاكِياً عَنْهُ وَعَنِ الرَّاوَنْدِيِّ : وَزَادَنِي ابْنُ مِهْرَانَ الْبَاهِلِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ـ فَوَثَبَ النَّبِيُّ صلی الله علیه وسلم حَتَّى دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ علیهما السلام فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ انْكَبَّ عَلَيْهِمْ يَبْكِي وَقَالَ أَنْتُمْ مُنْذُ ثَلَاثٍ فِيمَا أَرَى وَأَنَا غَافِلٌ عَنْكُمْ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) قَالَ هِيَ عَيْنٌ فِي دَارِ النَّبِيِّ صلی الله علیه وسلم تُفَجَّرُ إِلَى دُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي هَذَا رِوَايَةً أُخْرَى وَقَالَ فِي آخِرِهَا فَنَزَلَ فِيهِمْ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أَيْ عَلَى شِدَّةِ شَهْوَةٍ (مِسْكِيناً) قُرْصَ مَلَّةٍ وَالْمَلَّةُ الرَّمَادُ (وَيَتِيماً) خَزِيرَةً (١) (وَأَسِيراً) حبيسا [حَيْساً] (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) يُخْبِرُ عَنْ ضَمَائِرِهِمْ (لِوَجْهِ اللهِ) يَقُولُ إِرَادَةَ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الثَّوَابِ (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا (جَزاءً) ثَوَاباً (وَلا شُكُوراً).
قلت الضمير في (حُبِّهِ) يجوز أن يعود إلى الطعام كما ذكر ويجوز أن يعود إلى الله تعالى فإن إطعامهم إنما كان خالصا لوجهه وهذه السورة نزلت في هذه القضية بإجماع الأمة لا أعرف أحدا خالف فيها.
وَرُوِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) (٢) قِيلَ نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ كَانُوا يَضْحَكُونَ مِنْ بِلَالٍ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِهِمَا وَقِيلَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ علیهما السلام جَاءَ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه وسلم فَسَخِرَ مِنْهُمُ الْمُنَافِقُونَ وَضَحِكُوا وَتَغَامَزُوا وَقَالُوا لِأَصْحَابِهِمْ رَأَيْنَا الْيَوْمَ الْأَصْلَعَ فَضَحِكْنَا مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللهُ
________________
(١) كذا في الأصل وفي بعض النسخ «خريوة» ولا يخلو عن التصحيف.
(٢) المطففين : ٣٤.