حاله وصلاحها ما لم يحط به النبي صلی الله علیه وسلم علما إلا بعد وحي الله تعالى إليه لأن علم الغيب إليه لا إلى غيره تعالى ولا يحيط بعلم الغيب ولا يظهر عليه إلا لمن ارتضاه الله من رسله كما قال (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وإذا كان علیهما السلام قد انفرد بصلاح الباطن دون غيره وشاركهم في صلاح الظاهر فقد اتفق له صلاحهما معا فظهرت ميزته على الناس بما عرفه الله من باطن حاله ولم يعرفه من غيره وهذا واضح.
ثم إن منعهم من الجواز إما أن يكون بسبب موجب أو لغير سبب ولا جائز أن يعرى من سبب لأن العبث والخلق من الحكمة في أفعال الله محال فتعين أن يكون لسبب وحكمة وإذا ثبت وجه الحكمة في منع غيره وإباحته هو علیهما السلام فثبت له ما لا يشاركه فيه غيره فوجب له الفضل على غيره ووجب اتباعه والاقتداء به لتخصصه بهذه المنزلة الحاصلة له بوحي من الله تعالى وأقوال النبي صلی الله علیه وسلم فيه تعضد هذا أو تدل على صلاح باطنه علیهما السلام كَقَوْلِهِ عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَكَقَوْلِهِ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَكَقَوْلِهِ أَنْتَ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَقَوْلِهِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ وَقَوْلِهِ صلی الله علیه وسلم صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيَّ وَعَلَى عَلِيٍّ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ النَّاسِ وقوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وغير ذلك من مناقبه ومزاياه ومآثره وسجاياه التي تفوت الحد وتتجاوز العد ولو لا ثبوت ذلك له لما أنزله من نفسه بهذه المنازل ولما أقامه مقام نفسه في شيء من ذلك ولا أذن له في تخصيصه وتبيين مكانه بما ميزه عن الأمثال والأضراب باستبداده وبصلاح باطنه ومشاركته غيره في الظاهر.
وكما تميز على الأصحاب في فتح بابه دون أبوابهم بصلاح الباطن فقد امتاز عليهم في الظاهر وهو أنه يعتبر بأشياء أولها العلم وهو موجب للفضل بدليل قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وقوله عزوجل (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) وعلي علیهما السلام أعلم الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه وسلم لرجوع الصحابة إلى حكمه وعملهم في كثير