يفوح أرج النبوة من كلامهم ويعبق نشر الرسالة من نثرهم ونظامهم وتعجز الأوائل والأواخر عن مقالهم في كل موطن ومقامهم فهم سادات الناس وقادتهم في جاهليتهم وإسلامهم فما ساجلهم في منقبة إلا مغلب وما شابهم ماجد إلا قيل أطمع من أشعب (١) شنشنة معروفة في السلف والخلف وعادة شريفة ينكرها من أنكر ويعرفها من عرف ..
ومن كلامه ع لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله صلى الله على رسوله وسلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصال يتقطعها عسلان الفلوات (٢) بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا (٣) لا محيص عن يوم خط بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن يشذ عن رسول الله ص لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه ويتنجز لهم وعده من كان فينا باذلا مهجته وموطنا على لقائنا نفسه فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله.
وخطب ع فقال يا أيها الناس نافسوا في المكارم (٤) وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا وكسبوا الحمد بالنجح ولا تكتسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فإنه أجزل عطاء وأعظم أجرا واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم
__________________
(١) اشعب اسم رجل من أهل المدينة كان مولى لعثمان بن عفان وكان شديد الطمع يضرب به المثل
(٢) الأوصال : المفاصل وقيل مجتمع العظام. والعسلان : عدو الذئب بسرعة واضطراب وأراد عليه السلام بالعسلان الذئاب.
(٣) الاكراش جمع الكرش وهو لذي الخف والظلف بمنزلة المعدة للإنسان. وجوف جمع الاجوف. والسغب : الجوع.
(٤) نافس في الشيء : بالغ فيه ورغب على وجه المباراة في الكرم.