وأدرك أن تعميق مكان طوله ألف ذراع مقدار خمسين ذراعا يحتاج إلى عمر نوح ومال قارون ، إلا أنه أنفق أموالا لا تحصى بفكرة إنقاذ الشرف السلطانى الساذجة ، ولم يبخل من بذل أقصى الجهود لحفر المجرى إلا أنه لم يستطع أن يتجاوز أكثر من عشرين ذراعا ، وفى النهاية أنهى جميع نقوده وأرسل إلى باب السعادة رسلا لعرض الأمر وليستأذنه فى كيفية التصرف بعد هذا الفشل ، ولكن الرسل الذين بعثهم إلى إستانبول غرقت سفينتهم فى البحر الأحمر ، وفى هذه الفترة مات ثلاثة من أبنائه واحدا تلو الآخر ، كما مات وكيل أعماله وكثير من عبيده وعقب ذلك ارتحل أيضا إلى قصور الجنة سنة (٩٧٤) ليلة الاثنين الثانى من رجب ودفن فى قبره الذى كان قد هيّأه قبل وفاته (١).
وبعد وفاة (إبراهيم بك) عهد إلى قاسم بك حاكم جدة بمهمة تطهير المجرى ولحكمة ما توفى هو أيضا بعد مرور سنتين من تعيينه ، فأحيلت تلك المهمة المقدسة لمفتى مكة المكرمة الشافعى القاضى حسين أبى بكر الحسينى.
وقد قام الشيخ حسين بمهمته أحسن قيام واستطاع أن ينهى عمله في ظرف خمسة أشهر على أحسن وجه وأنجز ما لم يستطع أن يقوم به من سبقوه فى اثنى عشر عاما.
واستطاع أن ينهى العمل الذى بذل فيه الجهود الحميدة منذ عهد السلطان سليمان خان الغيور على دينه ، أى العمل الذى استغرق سبعة عشر عاما فى الحفر والتعميق وأوصل عين عرفات إلى مكة المكرمة وبإمرارها من نفس الطريق الذى أراده المرحوم إبراهيم بك وذلك فى سنة (٩٧٦) على قول أو سنة (٩٧٩) على قول آخر ، أو فى الأيام العشرة الأخيرة من ذى القعدة سنة (٩٨١) وفقا للرواية الثالثة.
وأنشأ فى داخل المدينة أحواضا كبيرة وصهاريج عظيمة وملأها بالماء ، وأحيا العالم الإسلامى ، إن العمل الذى بدأ لإنشاء مجارى المياه وقنواتها فى عهد
__________________
(١) وبناء على هذا فالقول الأول وهو المعتبر أن إبراهيم بك شغل بحفر المجرى عشر سنوات ، وعلى القول الثانى خمس سنوات وعلى القول الثالث أربع سنوات.