فرفع القباب موضع السطوح المبنية بالأخشاب ، وابتهج بهذه الحسنة الكبرى كل شيخ وشاب ، فأذعنوا له بالشرف الباهر ، والمجد الفاخر تالين قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (التوبة : ١٨) داعين له بالثواب الجزيل والذخر الزاخر ، قائلين أدام الله فى سرير الخلافة محروسا بحفظك من كل آفة وظافر اعلا مشيد المجالس والمدارس ، مجدد كل منهدم ودارس ، واجعل بابه للراجين حرما آمنا وجنابه للمحتاجين كفيلا ضامنا ، يأتون إليه من كل فج عميق بحرمة البيت العتيق ، تقبل الله معطى السؤال بجاه الرسول ، هذا الدعاء الحرى بالقبول ، فلما أسس بنيانه على التقوى من الله والرضوان جاء مشيد الأركان ، محاكيا روضات الجنان ، وصار هذا عنوان خلافته وبراعة استهلال النشور لسعادته وفى سنة أربع وثمانين وتسعمائة من الهجرة ، وكان الابتداء بذلك التجديد ، بأمر والد الماجد الدارج إلى مدارج المجد السلطان السعيد.
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء : ٨٨ : ٨٩).
السلطان سليم ابن السلطان بايزيد بن السلطان محمد بن السلطان مراد بن السلطان جلبى سلطان محمد بن السلطان يلديرم بايزيد بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان ، مكنهم الله تعالى سرور الجنان إلى انقراض الزمان ، وكان الشروع فى الرابع عشر من ربيع الأول من شهور سنة ثمانين وتسعمائة.
فلما سلم السلطان سليم وديعته بأحسن التسليم ، وارتحل من دار القصور إلى ما هيأ الله فى الجنة من القصور قبل تمام ما رام من تجديد المسجد الحرام ، وأجلس على سرير الخلافة نجله النجيب أحسن إجلاس ، وجعل حرمه (مثابة للناس) ، يسر له إتمامه بلطفه إقبال وجوه الليالى والأيام وأنام الأنام فى مهد ، عدله إلى قيام الساعة وساعة القيام ونظم راقم هذا الأرقام تاريخا يليق أن يكتب فى هذا المقام وهو هذا :